كل يوم إضراب واعتصام, واحتجاج, ولا يقتصر الأمر علي فئة أو مجموعة واحدة, وإنما اتسع نطاق الاحتجاجات ليشمل قطاعات كثيرة منها اساتذة الجامعات والمدرسون, ومع انني ضد تعطيل الانتاج. لأنه ضروري للتقدم والنهوض وتعويض ما فات, لكني أري موجة الإضرابات والاحتجاجات لن تتوقف, لأن الحكومة الحالية لم تستوعب الدرس جيدا, وتنظر إلي تلك الاحتجاجات من منظور واحد وهو الرؤية الأمنية, التي لا تحلل الأسباب, وإنما تقفز إلي النتائج مباشرة, وتفرض العقاب. كان الأجدر بالحكومة والمجلس العسكري أن يدرسا أسباب تلك الحركات الاحتجاجية, ولا يتجاهلاها مثلما كان يفعل النظام السابق, فبالفعل كل من يضرب هذه الأيام عن العمل أو يعتصم عنده من الأسباب مايبرر ذلك, وله الحق كل الحق, ولو تفحصنا الأمر جيدا سنجد أن تدني الأجور, وعدم وفاء الدخل باحتياجات المصريين هو العامل الرئيسي في كل تلك الاضرابات والاعتصامات, وأن هناك خللا واضحا في منظومة الأجور, أو الدخول في مصر, وهذه هي القضية الرئيسية. الحكومة والمجلس العسكري يعلمان علم اليقين أن تدني الأجور هو المحرك لتلك الإضرابات, ومع ذلك وعلي عادة النظام القديم لا تحرك في اتجاه الحل, وإنما كل ما يتم هو وعود وكلام أجوف, وتحركات لقمع المتظاهرين. قضية الأجور لابد أن تكون هي القضية الأولي التي تشغل بال الحكومة والمجلس العسكري, فبدونها وبدون خطة محكمة لتحقيق العدالة الاجتماعية ستستمر وتتوالي الاضرابات, بل وفي ظل هذا الانفلات الأمني, وما يتعلق به من انفلات وسعار في زيادة الأسعار نحن مقبلون علي ثورة الجياع, التي إذا قامت لن تبقي ولن تذر. نعم نعلم جميعا أن الحكومة الحالية حكومة انتقالية, وأن المجلس العسكري يدير أمور البلاد مؤقتا, ولكن هذا لايبرر أبدا إغفال مشاكل الناس وقضاياهم الاساسية, وعدم التصدي لقضية العدالة الاجتماعية بجدية ومن خلال دراسة موضوعية دقيقة, لوضع حد أدني وحد أقصي للأجور, فلا يعقل أن نضع حدا أدني دون تحديد حد أقصي, ومن العار بعد أن قامت الثورة, وكان غياب العدالة الاجتماعية من أول وأهم أسبابها أن تتقاضي الأغلبية الملاليم, وتوزع الملايين علي الأقلية بدون حق. المهم أن تخلص النيات وتتوافر إرادة الفعل عند الحكومة والمجلس العسكري, لابد أن يتغير الفكر الإداري ليواكب الفعل والحراك الثوري, أما أن يعتمد المجلس العسكري وحكومة شرف الطريقة الأمنية في الإدارة, ويطبقون سياسة ودن من طين وودن من عجين التي كانت تتبعها حكومة نظيف ومن قبلها حكومة عاطف عبيد وغيرهما من الحكومات في عهد الرئيس المخلوع, فهذه هي الكارثة, والوقود الذي سيغذي نيران ثورة الجياع التي يبدو أننا نسير باتجاهها بخطي سريعة, إلا إذا عدلنا من نظرتنا للأمور, وواجهنا مشاكلنا بشفافية ووضوح وبصراحة, دون تأخير أو تباطؤ. مصر غنية بخيراتها, وفيها من الأموال الكثير, لدرجة أنها فتحت شهية الحكام والمسئولين للسرقة, والدراسات الجادة لتحسين الأجور وزيادة الدخول وتوزيعها توزيعا عادلا كثيرة, ولكنها للأسف مركونة علي الأرفف, أو في الأدراج, لأن الحكومة لا تزال تفكر بمنطق أعوج ولا تستعين بأهل الخبرة وتسير في أمورها علي أنها حكومة مرحلية, لتسيير الضروري من الأعمال فقط, وهذا في حد ذاته هو سبب سخط الشارع المصري الذي لم يجد نتيجة لثورته ولا ثمنا لتضحياته, بل علي العكس, يري أن الأمور تزداد سوءا. يا دكتور شرف, دع المجلس العسكري, يتولي الأمور السياسية, ويفكر في شئون الأحزاب والانتخابات, ولتتفرغ أنت وحكومتك لحل قضايا الأجور, وتوزيع الدخول, فهي قضية المصريين الأساسية, خاصة وهم حسب قناعاتهم يرون أن من سرق أقواتهم وكان سببا في إفقارهم لا يحاسب أو يحاكم كما كان ينبغي, بل ويعتقدون اعتقادا راسخا أن أموال مصر المنهوبة خرجت ولن تعود. وفي هذا الإطار, يجب أن نسأل: لماذا لم يطبق الحد الأدني للأجور الذي قالت عنه الحكومة وهو700 جنيه حتي الآن رغم أنه كان من المفروض ان يكون1200 جنيه وما هو دور المجلس الأعلي للأجور, الذي كان من أسباب الكارثة المجتمعية, والذي كان يعمل ضد العمال والموظفين, مثله مثل اتحاد العمال, الذي كان مواليا للسلطة, في الوقت الذي كان يتقاضي فيه معظم عمال مصر الملاليم كان رئيسه يتقاضي شهريا الملايين, وبدلا من رعاية وحماية حقوق العمال راحوا يضربون الثوار في الميادين. أرجو أن يتفهم المجلس العسكري وحكومة شرف الحالة المتردية لغالبية المصريين, وأن يعملوا جاهدين علي تحقيق العدالة الاجتماعية وأن نتحرك بفاعلية لحسم قضية الأجور والدخول, فهي وراء معظم الإضرابات والاحتجاجات, حتي لا تقع الكارثة وتقتحمنا فجأة وبقوة ثورة الجياع [email protected]