من هناك.. من أسوان حيث الطيبة قاسم مشترك أعظم بين أبناء الجنوب... هكذا أكد لنا تراثنا جاء الغضب هذه المرة, فمصر التي انتفضت لم تترك مكانا إلا وطارت منه شرارة تعبر عن مدي الغبن الذي تعرض له المصريون علي مدي سنوات طويلة. إلا أنهم فيما يبدو اتفقوا وقرروا أن تكون البداية الجديدة علي مياه بيضاء شروطها إزالة المظالم لضمان الاستقرار والبناء وهكذا قال لنا عمر ابن النوبة الثائر ولم يكن اعتصام أبناء النوبة الذي أعلن عن نفسه منذ أيام بشكل أزعج كثيرا من المواطنين خاصة حرق وتكسير مبني محافظة أسوان البداية لغضب سمراء الجنوب أم الدنيا كما يحب أن يطلق عليها النوبيون فمثلما يعشق المصريون العبارات المنمقة يمتليء الحوار مع أبناء النوبة خلال وصفهم معاناتهم التي استمرت أكثر من مائة عام بدأت بتهجيرهم من مسقط رأسهم علي ضفتي النيل لبناء خزان أسوان ثم تعاقبت المحن بعد بناء السد العالي مثلهم في ذلك مثل باقي المصريين ولا ندري لماذا ارتبط الحكي عندنا برائعة شادية وأغنيتها أم الصابرين والإصرار النوبي الذي وجدناه لدي الجميع في أسوان بدءا من المعمر الكبير الذي شهد فصولا من التغريب حتي الطفل الصغير الذي ما إن تسأله هل تحلم بالعودة؟ فتكون الإجابة السريعة ياريت أرجع للنيل. الغضب النوبي الذي وصلت ذروته بتهديدات طالت السد العالي نفسه يحكي أسبابه التاريخية الحاج وحيد يونس أحد القيادات النوبية الشعبية يقول: البداية في رحلة عذابنا نحن أبناء النوبة كانت في تسعينيات القرن قبل الماضي عندما قامت حكومة الخديو توفيق بالشروع في تنفيذ خزان أسوان وقامت بالتنبيه علي أهالي الشلال الواقعة بين جزر النيل وجنوب خزان أسوان حتي قري دابود ودهميت وأمبركاب وأبهور وكلابشة بأنهم معرضون للغرق تحت مياه الخزان وأن عليهم الانتقال شمالا بدون ترتيبات تضمن إجراء الحصر للسكان والممتلكات من نخيل وأراض زراعية وبيوت وبالتالي لم يتم عمل قانون للتعويضات فنزح الأهالي بهجرات اضطرارية من جزر هيصة وبجا وتنجار وعوار إلي شمال خزان أسوان أو إلي الصخور الجبلية بهذه الجزر أو إلي شرق النيل وجبل تنجار بحوض الخزان. بداية الآلام ويضيف الحاج وحيد يونس: انتقلت باقي الكتل البشرية إلي شمال الخزان بمنطقة غرب سهيل وأسوان والكوبانية والبمبان ودراو و مدينة أسوانوشرق النيل بالكارور والمنشية وجبل شيشة والحصاية والشيخ هارون والمنشية شمالا, حيث كان سكن الناس بجهودهم الذاتية وتكافلهم فيما بينهما حيث لم تعوضهم الحكومة وقتها عما فقدوه من أراض وبيوت, وبعدها وفي عهد عباس حلمي استعد بالأموال وبدأ التنفيذ وقت بناء الخزان الذي انتهي العمل فيه عام1902 وهي السنة التي تبدأ بها جميع الأدبيات التاريخية الحديث عن مشكلة النوبة متجاهلة النزوح الاضطراري للنوبيين قبله سواء في قانون التعويضات أو حديث الناشطين, مشيرا إلي أن المشكلة الثانية لهم كانت في الأماكن والبلدان التي نزح إليها الأهالي وقتها ويدفع ثمنها أبناؤهم حاليا حيث يعتبرهم المسئولون معتدين علي أراضي الدولة بالمباني السكنية التي أقاموها نظرا لعدم وجود مستندات معهم مما يعوق اصدار أي قرارات إزالة أو إحلال وتجديد منازلهم حاليا طبقا لقانون البناء الجديد رغم محاولتهم الكثيرة لتصحيح أوضاعهم القانونية من خلال القنوات الشرعية. يلتقط المهندس عبده سليم طرف الحديث قائلا: تمليك النوبيين بيوتهم حق أصيل لهم للقضاء علي خداعنا المستمر من قبل المسئولين والذي استمر علي مدار أكثر من100 عام أفقدتنا الثقة فلا يجب فصل قضية بناء خزان أسوان عن السد العالي فالنوبيون جميعا أضيروا فمنذ1902 حتي1912 موعد التعلية الأولي لخزان أسوان حيث زيادة منسوب المياه نتيجة الفيضان أدت إلي غرق الأراضي الزراعية والمنازل والمعابد ومنها معبد فيلة في تلك المنطقة لقري دابور ودهميت وأمبركاب وللمرة الثانية لم يكن هناك حصر في التهجير الثاني واضطر الأهالي إما إلي البناء في الجبل أعلي منسوب المياه أو النزوح إلي أسوان في مناطق الحدود والسيل والفارور والشيخ فضل ودراو والشطب. يضيف: منذ1912 حتي1933 في التعلية الثانية للخزان زاد منسوب المياه خلفه الأمر الذي اضطروا معه إلي غلق الكثير من المنازل لأهالي نفس القري وحتي قرية الدر مما أدي إلي نزوح النوبيين للمرة الثالثة إلي أسوان وتحديدا في المنطقة الجنوبية التي تضم المنشية ودار النعيم بمنطقة خور أبو سبيرة ودار السلام وشمال دراو والرادسية بإدفو والأقصر ومنشية الكنوز بقنا يضاف إلي ذلك الغرق تحت النهر وهناك قري غرقت تحت البنية التحتية اللازمة لتنفيذ مشروعات الخزان وما استلزمه من السكة الحديد التي ربطت من جرجا حتي الشلال جنوبا لنقل المعدات والأوناش والمهندسين إلي جانب بناء مدينة أسوان الحديثة. مغتربون في أوطانهم! يستكمل محمد صبري من نوبيي أسوان: بعد كل هذه التضحيات بدءا من الخزان حتي التهجير الأكبر عام1964 لبناء السد العالي ويضم النوبيين الذين أطلق عليهم المغتربون رغم أنهم تركوا منازلهم وآرضهم لمشروع قومي إلا أن انتباه الدولة للمأساة كان يأتي بسبب الرأي العام العالمي وقتها حول المخاوف علي التراث النوبي والانزعاج من غرق معبد فيلة فكانت البداية بمراسيم التعويضات بدءا من بعد بناء الخزان عام1906 حيث أصدرت الحكومة القانون رقم5 ثم القانون رقم27 لسنة1907 لتعويض الأهالي ولم تكن تعويضات مناسبة حيث كان من المفترض إنشاء قري زراعية بديلة مثلما تم عام1964 ولكن فوجئنا بمشكلة أخري حيث طالب النوبيون بالتمليك مقابل التعويضات فرفضت الحكومة مرات حتي صدر قرار محافظ أسوان منذ أيام قليلة بعد أحداث الإعتصام لتمليك النوبيين المتضررين الأراضي بجنيه واحد للمتر وهو أمر يرفضه الكثير من النوبيين لأن ذلك تثبيت لمبدأ أنهم بالفعل معتدون علي أرض الدولة وأن الأمر ليس تعويضا عما فقدوه. ويشير المهندس هشام عادل عضو مجلس محلي محافظة أسوان إلي أن بيوت النوبيين دائما ما تكون أفقية وبالتالي بمساحات كبيرة فيشعر النوبيون إزاء ذلك أنهم تم خداعهم تحت مسمي أنهم شعب طيب. علي ضفاف النهر! 44 قرية هو عدد قري النوبة التي يريد أبناؤها حاليا التجمع في مكانهم تحت شعار حق العودة الذي يردده جميع النوبيين الغاضبين علي أن يكون مكانهم هذا علي ضفاف بحيرة السد العالي ويقول صابر أبو القاسم من قرية دابود ويسكن أسوان حاليا نشعر أننا مهمشون ومع طول معاناتنا لم تشعر الدولة أو تهتم بعودة الحقوق المهضومة منذ مائة عام فقررنا الضغط لتحقيق مطالبنا وتنفيذ حق العودة علي ضفاف بحيرة ناصر بدلا من المدن التي بنوها لنا أخيرا مثل وادي كركر الذي لم يتم تسليمه للنوبيين كما أنه لايناسبهم حيث طبيعة المكان الصحراوية وبعده عن النيل عدة كيلو مترات وهو ما لانرضاه وزي ما شالونا من علي النيل لما يرجعونا يبقي برضه علي النيل. يضيف صابر: في مسلسل إهمال الدولة وتهميشها حلقات كثيرة منها الإفقار الكبير لنا حيث أنه تم رصد مشروع دولي لنا من قبل منظمة اليونسكو بعد انقاذ آثار النوبة ويتبع منظمة الفاو لدمج أهالي النوبة وتحسين معيشتهم في مشروع العون الغذائي وللأسف رغم أنه مخصص للنوبيين فإن من استفاد منه ليسوا من أهالي النوبة أو حتي أسوان رغم مشكلة البطالة بين أبناء النوبة لذلك نطالب حاليا بعودة المشروع لأصحابه مرة ثانية فرغم أنهم مصريون أيضا إلا أن هذا حقنا فقد كنا مهاجرين بحق العودة علي أن تكون عودة كاملة بكل المرافق وسبل الحياة الكريمة بعد أن ذقنا جبروت نظام مبارك ومن قبله السادات اللذين جعلا حتي من يعيش من النوبيين في مركز نصر النوبة منذ أكثر من60 عاما بدون صرف صحي حتي الآن. واحد من المطالب التي يجمع عليها النوبيون فصل الدائرة السياسية الخاصة بهم عن دائرة كوم أمبو لتصبح دائرة نصر النوبة للنوبيين فيقول نصر الدين محمود حسن أعمال حرة لدينا احساس قوي بأننا مستبعدون من بعض الوظائف في الدولة بالاضافة الي عدم وجود تمثيل نيابي لنا في البرلمان لكي يصل صوتنا للمسئولين بالطرق الشرعية. الاستثمار في النوبة يمثل جانبا من ميراث ما يسمونه بالاضطهاد في أوساط النوبيين فيقول صابر أبو القاسم من قرية دابود وهي أول قرية تهجير للسد العالي حاولوا كثيرا ابعادنا عن أرضنا بكل الطرق ومنها الأموال فأصدر وزير الإسكان السابق أحمد المغربي قرارا بصرف مبالغ مالية تبدأ من75 ألف جنيه نظير التنازل عن حق العودة لكي يتم تخصيص الأرض لكبار المستثمرين وبلا استثناء فكل مستثمري بحيرة ناصر استفادوا من أرضنا ولم نستفد منها نحن أصحابها الحقيقيين. محمد خضري يوسف من غرب سهيل يقول: نحن نوبيي تهجير1902 لم نحصل علي تعويض سوي أقل القليل فكانت النخلة تطرح بقرش واحد ولم نحصل جميعا علي تعويض للبيوت أو الأراضي في الوقت الذي نري فيه الآن أغرابا ليسوا من النوبيين ولا من أسوان يستفيدون من أرضنا مما يثير بداخلنا الكثير والكثير ويزداد إحساسنا بالظلم الفادح. تباطؤ الحكومات ويري الحاج خليل الجبالي من مركز نصر النوبة انه طالما هناك فرص استثمار تتيحها الدولة فلابد أن يكون النوبيون أولي بذلك مؤكدا أن الدولة المصرية لم تهمل النوبة أو المطالب النوبية أبدا غير أن التباطؤ من الحكومات في تنفيذ القرارات هو السبب الرئيسي لغضب النوبيين فرغم عرض المطالب النوبية التي تمت مناقشتها في مجلس الشعب منذ عام61983 مرات وفي مجلس الشوري مرة إلي جانب تشكيل9 لجان في الشعب وثلاثة في الشوري كان آخرها برئاسة الدكتورة فرخندة حسن وقد لاقت جميع المناقشات تفهما من المسئولين غير أن الرد دائما أن المشكلة في توفير الموارد اللازمة. ويضيف الجبالي: وبالرغم من كل ذلك فبعد بناء الدولة لوادي كركر الذي يجري الاستعداد لتسليم وحداته للنوبيين ضمن8 مواقع تم تحديدها للنوبيين فبعد كركر تم وضع حجر أساس موقع فور قندلي بجوار أبو سمبل يليه موقع آخر في شرق أدندان وقسطر تم رصد الاعتمادات المالية لهما رغم ظروف الدولة الحالية. ويرفض الجبالي مزاعم عدم اهتمام الدولة بالنوبيين قائلا هناك بالفعل حقوق نوبية لكنها لم تهمل من قبل الدولة سواء في الخدمات أو الاستجابة للمطالب التي كان آخرها بناء ألفي وحدة سكنية( بيوت) للنوبيين خلال سنة2010 2011 بمبلغ4 مليارات جنيه وهو مبلغ لم تحصل عليه محافظة أخري وبما يوازي عدد البيوت التي تم بناؤها خلال الأربعين عاما الماضية بالإضافة إلي حل مشكلات تمليك المنازل بالمجا ومن بعدها الأراضي المقامة عليها بسعر جنيه واحد للمتر. جهات أجنبية تشعل الموقف. الحاج حسن عوض من قرية قتا أكد وجود أشخاص مدفوعين من جهات أجنبية وراء إشعال الأزمة النوبية حاليا قائلا: يستخدمون في ذلك ضعاف النفوس ومعظمهم ليسوا من أسوان ولكنهم من خارج المحافظة وليسوا علي علم بالمشكلة وأكد عوض أنهم يصورون الأمر علي انه اضطهاد من الدولة للنوبيين وهو أمر غير صحيح قائلا: هذا الاحساس غير موجود فمركزنا نصر النوبة من أفضل المراكز علي مستوي جمهورية مصر العربية من حيث الخدمات في كل المجالات سواء المرافق أو التعليم أو الصحة أو التموين فأزمة الخبز والسولار التي تعاني منها القاهرة لم تحدث عندنا فكيف أكون مضطهدا؟! رغبة في الزعامة ويلقي عوض بالمسئولية عن الأزمة الأخيرة بالرغبة في الزعامات من قبل البعض ودافعيهم من مريدي عدم الاستقرار مستغلين في ذلك الفراغ الأمني والسياسي الذي تعاني منه الدولة مؤكدا أن من يعرف عن قرب المشكلات النوبية سيعلم أنها كانت دائما ما تجد القبول من الدولة والرغبة في حلها بكل الطرق ضاربا المثل بمشكلات ترميم المنازل في قري مركز نصر النوبة التي لم يكن يرضي عنها أصحابها وطالبوا بالتوقف عن قيام الدولة بذلك عن طريقها واعطائهم الأموال ليقوموا هم بذلك بأنفسهم قائلا عندما عرضنا الأمر علي المحافظ الحالي وافق رغم الاعتراضات القانونية علي ذلك ولكي يريح أصحاب هذه المشكلة صرف لهم الأموال مع تقنين الوضع بالتوقيع علي إقرارات خاصة بذلك وللأسف نجد حاليا من يطالب بإلغاء الإحلالات رغم ان مطلب ضروري مما يؤكد أن من يتحدث عن المشكلة النوبية لا يعرفها جيدا ولا يلمس معاناة أصحابها وطالب عوض بحل مشكلة الشباب النوبيين المتمثلة في البطالة عن طريق مشروعات التنمية في المحافظة والعمل علي تعويضهم بأن يكون لهم الأولوية في مشروعات مثل توشكي ليساعد ذلك في تهدئة النفوس وامتصاص الغضب وحل المشكلة بشكل كامل بحيث تتاح الأراضي للشباب في ظل مساندة ودعم الدولة. وبسؤاله عن الأنظمة السياسية في مصر وتعاملها مع القضية النوبية قال عوض: أسوأهم مبارك وأفضلهم السادات.. وعبدالناصر هو سبب المشكلة لكنه لم يكن علي خطأ كامل حيث أجري استفتاء بين النوبيين وقام بتخييرهم بين شمال السد أم جنوبه والغالبية اختارت الشمال لتبقي قرية السيالة بقيادة المرحوم محمود عبدالعزيز السيالي هي الوحيدة التي اختارت جنوب السد العالي لكن رأي الأغلبية هو الذي انتصر في النهاية.