انحازت الندوة السنوية التاسعة لمجلة العربي الكويتية(8 10مارس2010) إلي المستقبل حيث عالجت موضوع الثقافة العربية في ظل وسائط الاتصال الحديثة وشارك هذا العام أكثر من30 مثقفا وباحثا عربيا في الندوة من بينهم, نبيل علي( مصر),غسان مراد( لبنان), السيد ياسين( مصر) كمال عبد اللطيف( المغرب), إبراهيم المليفي( الكويت),فاطمة المعدول( مصر),شيرين أبو النجا(مصر), عبد الله الفيفي( السعودية) عبد الله الحراصي( عمان) إضافة الي عدد من الإعلاميين والبرلمانيين. تضمنت الندوة3 محاور أساسية هي الثقافة العربية في عصر جديد والثقافة العربية علي شبكة الإنترنت والثقافة العربية علي شاشات الفضائيات العربيةأما الأوراق فقد دارت في مجملها حول كيفية تطوير الثقافة العربية, وجعل الثقافة العلمية جزءا منها, والاستفادة من الفضاء الذي تتيحه وسائط الاتصال لزيادة معدلات الحرية في التفكير والإبداع, وكيفية تطوير اللغة العربية حتي تكون صالحة للتعامل مع هذه الوسائط الحديثة, وإعدادها إلكترونيا للقيام بالترجمة من اللغات الأخري واستيعاب العلوم الحديثة, وكذلك مواقع المدونين والكتاب الجدد الذين وجدوا في هذا الفضاء مجالا لهم للتعبير عن أرائهم وإبداعاتهم وماهو المتغير الجديد, وهل كان بالسلب أم بالإيجاب, وحدود الرقابة علي شبكة الإنترنت, وهل يمكن للعقلية الرقابية أن تصمد في مواجهة البث اللامحدود للشبكة, وماهي المتغيرات التشريعية الخاصة بالمتغيرات التقنية الجديدة, مثل المدونات والشبكات الاجتماعية الجديدة ورقة جمال غيطاس تمحورت حول الوجه الرقمي للتنمية العربية, والوجه المعلوماتي لواقع الثقافة العربية علي الإنترنت حيث أشار الي أننا بحاجة للعديد من البدائل,مثل تحليل المكون التقني والمعلوماتي داخل السياسات والبرامج والمشروعات التي تنفذها الجهات الثقافية الرسمية وغير الرسمية, والمشروعات التقنية والمعلوماتية المستقلة التي تنفذ في مجال التنمية الثقافية, والجهود الأهلية والفردية التي تجري علي صعيد التوظيف الثقافي لتقنيات المعلومات والاتصالات. وطرحت شيرين أبو النجا ورقة تحت عنوان من الهمس الي العلن الإنترنت مجال ثقافي مواز تساءلت فيها عن ماهية الخصائص الفكرية والسمات النفسية لسكان العالم؟ وكيف تحولت المواقع الإلكترونية الي مجال فعلي لإدارة المشهد الثقافي العربي؟ وكيف تحول كل الهمس والمسكوت عنه الي معلن ومباح؟ كما تساءلت أيضا بشأن ما إذا كان الأمر متعلقا فقط بالإفلات من قوانين الرقابة أم أن هناك إفلاتا من قوانين وأعراف أخري, مؤكدة أن كل ممنوع تحول الي ممكن ومقبول في حالة كاملة من العلانية, يؤدي تراكمها الي تشكيل رؤية ثقافية موازية للرؤي الرسمية السائدة. وفي ختام الندوة, أكد رئيس تحرير مجلة العربي سليمان العسكري, أن اختيار موضوع الندوة جاء تلبية لما يمر به عالمنا من طفرات تقنية واكبتها واستفادت منها حركات اقتصادية واجتماعية وسياسية عدة, ما أوصلنا الي ندوة نوعية في موضوعها غنية في نقاشاتها, مشيرا الي أن الأوراق المقدمة ناقشت الشأن الثقافي الذي تأثر بتلك الطفرات المتتالية لوسائل الاتصال, إضافة الي اختبار مدي الجدية في التعامل معها, وتحديد الي أي مدي يمكن الاستفادة منها. وركز بحث كمال عبد اللطيف( المغرب) علي ضرورة استحداث أنساق جديدة للغة قادرة علي استيعاب المصطلحات العلمية, أي ببساطة تطوير اللغة وإجراء تعديلات جذرية في قواعدها وأساليبها. وهذه قضية ستبقي خلافية الي الأبد فمع دخول البشرية الي عصر المختصر المفيد وهو الانعكاس المباشر للتقدم العملي, واستخدام المصطلح الدال علي العملية أو المعادلة أو اسم الجهاز أو المكان مع كل ذلك بدأت اللغة تتخذ أشكالا وصفات يعتبرها البعض سلبية, ويراها البعض الآخر إيجابية. منذ فترة قدم الكاتب الروسي فيكتور يروفييف أحد برامجه علي القناة الثقافية حول جانب من هذا الموضوع ووصل مع ضيوفه الي فكرة مفادها أن اللغة الروسية لغة شامانية أو بالعربية لغة شعوذة والتعبير له دلالات كثيرة إيجابية وسلبية في اللغة الروسية..لكن الحديث كان يدور حول أن اللغة الروسية تستخدم كلمات كثيرة للتعبير عن فكرة بسيطة وبالتالي فهي لم تتطور مثل الإنجليزية أو الفرنسية والألمانية, وربطوا ذلك بأن الشعوب التي ساهمت في التقدم العلمي وقدمت اختراعات وحلولا جديدة لمسائل قديمة وحديثة تمكنت بدرجة أو بأخري من تطوير لغتها. النتيجة التي وصل اليها الكاتب الروسي مع ضيوفه مثيرة للدهشة, خاصة وأن روسيا شئنا أم أبينا ساهمت في التطور العلمي للبشرية, وأدلت بدلوها في المنجز الأدبي والفني, وتمكنت اللغة الروسية بمرونة عالية من الأخذ والعطاء والتطويع ومع ذلك فأصحابها أو بعض منهم, غير راضين عن المستوي الذي وصلت اليه. لماذا هناك فصحي وعامية في اللغة العربية؟ لماذا يتحدث كل شعب من الشعوب العربية بلكنة( تكاد تكون لغة) مختلفة عن الشعب الآخر؟ بل وأحيانا نجد عدة لكنات في الدولة الواحدة؟ لماذا بدأ الشعراء يكتبون بالعامية,ولماذا يستخدم الكتاب, في قصصهم القصيرة ورواياتهم, تعبيرات عامية, إن لم يكن صفحات كاملة؟ لماذا هناك لغة عامية يتعامل بها كل شعب مع بعضه البعض, وفي ذات الوقت هناك لغة تعبأ بها الاستمارات وتكتب بها الخطابات الرسمية؟ لماذا يجري الحديث يوميا عن لغة الإعلام التي يجب أن تكون بين الفصحي والعامية؟ بأي لغة( فصحي أم عامية) يمكن أن نداعب الطفل, ونقدم له مادة فكاهية كوميدية خفيفة؟ بل وبأي لغة يمكن أن نعبر عن مواقف مثيرة أو مضحكة؟ أحالني كل ذلك إلي واحدة من مشكلات كثيرة: لماذا يحولون النصوص المسرحية المكتوبة بالفصحي الي العامية؟ ولماذا تكون العروض المسرحية العامية أكثر تفاعلا مع الجمهور؟ الحديث يدور عن المسرح لأنه أبو الدراما, ويفترض أن يكون الأكثر اختصارا والأدق تعبيرا في حواراته ولكن هل الدراما المسرحية غير ناضجة في الدول المتحدثة بالعربية بسبب اللغتين العامية والفصحي, أم لأنها قائمة علي الحوار( الديالوج) وليس( المونولوج) أم قد يكون السببان وجهين لعملة واحدة جوهرها غياب الحرية والعقلية الأبوية الاستبدادية؟ ندوة العربي كشفت عن الهوة الواسعة بين ثقافتين: محافظة ورجعية تسخر وتستهجن, وتنفي, وتنادي بفرض الرقابة علي المدونات, وتستبعد آليات التغيير المرتبطة بثورة المعلومات والعالم الافتراضي وثقافة منحازة للعلم والحرية المطلقة في مجال لم يعد افتراضيا بل أصبح واقعا موازيا بقي فقط أن نشارك في الإنتاج ولانقف عند حدود الاستهلاك!!