متي تظهر هذه النوعية من الأغاني الفاسدة أو المفسدة والقبيحة؟ تظهر هذه الأغاني أوقات الحرب والهزيمة وفي عصور الحكومات والحكام الفاسدين الذين تولوا الحكم في ظروف غامضة وبطرق غير شرعية ولا يشعرون بفسادهم بل يقولون إنهم مصلحون. والفساد مرض معد يصيب عامة الشعب وينتشر أسرع من الإصلاح, ومن خلال تجربتي ومعايشة الحرب العالمية في الأربعينيات من القرن الماضي من سنة1939 إلي سنة1945 وفي ظل الاحتلال الانجليزي انتشرت هذه الأغاني في ملاهي عماد الدين وروض الفرج ومن أشهر أغاني هذه الفترة أغنية( لا والنبي ياعبده),( بيني وبينك كلام وإيه وصلو لأمك ياعبده), وطبعا هذه النوعية لم يكن لها طريق إلي جهاز الإذاعة, ولم نكن نعرف أو نعلم شيئا عن جهاز التليفزيون, وكانت الإذاعة تقدم أغاني وحفلات محترمة, وكانت تمثل حائط الصد لمثل هذه النوعية من الغناء الفاسد, وكانت فترة فساد غنائي قصيرة العمر, وانتهت بنهاية الحرب العالمية, والفساد مرتبط بالحالة الاجتماعية والسياسية في البلد, وأقفز علي الاحداث والزمن وأصل إلي أزهي وأجمل فترة موسيقية وغنائية التي نعيش حتي الآن علي إنتاجها وهي الفترة من سنة1946 حتي سنة1960 وهي فترة الوهج الموسيقي والغنائي بأشكاله المتعددة غناء جماعيا, وغناء فرديا, غناء ثلاثيا, وثنائيا, وفيها ظهر( الثلاثي المرح وجمال وطروب وضيا وندا وثلاثي النجوم) والمنولوجات الفكاهية التي تنقد بعض ظواهر المجتمع وكان نجوم هذه الفترة( إسماعيل يس, وشكوكو, والجيزاوي, وثريا حلمي) وظهر بعدهم أحمد غانم, وسيد الملاح, وسعاد أحمد, وكانوا يحملون لقب( مونلوجست), وظهرت فرقة ساعة لقلبك. وأقفز مرة أخري وأصل إلي سنة1960 وفيها ظهر العملاق وهو التليفزيون, واعتمد علي كثير من رجال الإذاعة, وبدأ كبيرا ومحترما, وانتهي علي ما هو عليه الآن, لا نعرف هويته, وسيطرت عليه الأمور التجارية, والربح والخسارة, واختفت كل الأمور التي ترفع من شأن الموسيقي والغناء والفنون الأخري, وانتشرت البرامج الكلامية( توشو) ويستضيفون كل أصحاب الأغاني أو المنلوجات الهابطة أو الفاسدة ويتم نشر هذه الأعمال المفسدة من خلال هذه البرامج بداية من أغنية عايدة الشاعر( الطشت قالي) تحت بند أغنيات فولكلورية إلي أن وصلنا حاليا إلي مطرب لا يخجل أن يغني ويقول( خليها تكليك) ويستضيف ويناقش كلمات مثل( السح الدح إمبو), وكم كان عجيبا أن أشاهد فيه أحد هذه البرامج وهو يستضيف أحد المطربين أو المونلوجستات, وهو يسأله لماذا تقول في أغنينك الأخيرة جملة( وحياة أمك), فيقول هذا المفسد أو المطرب إني أحلفه بأعز الناس, وهذا استغلال سيء للكلمة والمعني ومتي تقال ومتي لا تقال والأغاني الفاسدة في هذه الفترة لا تجد حائط صد يقاومها, كما كانت الإذاعة سابقا, وإلي لقاء آخر. والله ولي التوفيق