شك أن الحدث الأكبر في الدورة الخامسة والثلاثين لمهرجان' أفلام العالم' بمدينة مونتريال الكندية, والتي تختتم غدا الاثنين, كان حضور المخرج الفرنسي الكبير كلود لولوش. لاصاحب الفيلم الشهير' رجل وامرأة' لإلقاء' درس السينما' علي رواد المهرجان, وعرض أحدث أفلامه' قصص الحب التي كانت', في يوم واحد امتد حتي فجر أمس السبت بتوقيت القاهرة, ويستحق أن يكون' يوم لولوش' بامتياز. اهتزت قاعات مهرجان مونتريال بالفعل في استقبال المخرج الكبير, الذي يعد من أساتذة فن السينما في العالم, من فرط تصفيق الجمهور احتفاء به, سواء عندما ألقي' درس السينما' عصرا في إحدي قاعات مقر المهرجان بأحد الفنادق, أو عندما شهد عرض فيلمه في دار سينما' إمبريال' ليلا.. وحدث أن استمر الجمهور في التصفيق' وقوفا' للولوش بعد نهاية عرض الفيلم حتي اضطرت مديرة قاعة العرض لإيقاف الهدير قائلة إنه لا يوجد وقت لكل هذا التصفيق لأن هناك فيلما آخر ينتظر دوره في العرض! وإذا كان لولوش(74 عاما) قد تحدث خلال' الدرس' عن خمسين عاما من حياته قضاها يعمل في السينما, ويحكي لجمهوره بداياته والمحطات المهمة في مشواره وفلسفته الخاصة في الفن السابع, فقد ألقي كلمة قبل عرض الفيلم قال فيها إن' قصص الحب التي كانت' يستكمل بدوره حكايته مع السينما, ويعد أهم مظاهر احتفاله الشخصي بمرور خمسين عاما علي عمله كمخرج وسيناريست, حيث إنه كان شاهدا علي أحداث الفيلم القائم علي وقائع حقيقية عندما كان صبيا ثم شابا, وكانت شخصيات الفيلم وأحداثه بدورها شاهدة علي بداياته كسينمائي. ويعد الفيلم, الذي أهداه لولوش لجمهوره ولأبنائه السبعة, والذي يحمل رقم43 في سلسلة أعماله, سيمفونية سينمائية حقيقية, ليس فقط لأنه' شغل أساتذة' بحق وجميل ومؤثر مثل الموسيقي الأصيلة, ولكن لأنه قائم بالفعل علي سيمفونية تتذكر البطلة العجوز كل ما حدث لها وبسببها في الماضي وهي تستمع إليها, وتظل نغماتها مصاحبة للفيلم طوال مدة عرضه. علي مدي ساعتين كاملتين, يصطحب لولوش المشاهد في رحلة مدهشة تبدأ باختراع السينما منذ أكثر من مائة عام, وتصل إلي ذروتها مع الحرب العالمية الثانية, حين تعيش البطلة, الفرنسية, التي أدت دورها باقتدار أودريه دانا, قصة حب ملتهبة مع ضابط نازي, مما يتسبب مباشرة في مصرع زوج أمها, أحد أبطال المقاومة الفرنسية.. ثم يتنافس علي حبها جنديان أمريكيان أنقذاها من الموت علي أيدي رجال المقاومة الذين كانوا يريدون معاقبتها علي علاقتها بالضابط النازي, في قصة مأساوية أخري انتهت بمصرع الجنديين ومحاكمتها بتهمة قتل أحدهما.. ففكرة الفيلم الرئيسية قائمة علي أنها امرأة تستمع لدقات قلبها أكثر من صوت عقلها وتدفع ثمن ذلك غاليا, علي خلفية من الدم والرصاص والموسيقي. قدم لولوش فيلما شديد التعقيد والتركيب لا يقدر علي تنفيذه سوي الكبار, استخدم فيه أكثر من أسلوب وتكنيك, ومزج فيه بين الماضي والحاضر, وبين الصور والأصوات والموسيقي, في درس سينمائي عملي هذه المرة في كيفية استخدام الإضاءة وزوايا الكاميرا, وكيفية إجراء المونتاج بكل أنواعه, للاحتفاظ طوال الوقت بالإيقاع المطلوب وبانتباه المشاهد.. أي أنه باختصار ألقي درس السينما نظريا وعمليا في مونتريال, وأنجز في رأيي أنضج أفلامه علي الإطلاق.