في شهر مارس من عام ألفين وتسعة نشرت صحيفة ذي تليجراف البريطانية الذائغة الصيت خبرا مثيرا وخطيرا شكلا ومضمونا. ذكر هذا الخبر أن عصابات مخدرات كبري في العالم بدأت الآن في التحول من تجارة الكوكايين التي تدر عليها مليارات الدولارات إلي تجارة أخري ستدر عليها مليارات أكثر وأكثر ألا وهي تجارة الأدوية المغشوشة!!!! تجارة الفياجرا واستطرد الخبر قائلا: إن هذه العصابات تقوم حاليا بالاتجار في حبوب الفياجرا المغشوشة بشكل رئيسي بعد أن تبين لها أن هذا العقار علي وجه التحديد وربما غيره من المنشطات الجنسية يمكن أن يكون بمثابة كنز لاينضب معينه الدولاري أبدا. ونقلت صحيفة ديلي تليجراف عن خبير في هذا المجال قوله إن الأرباح التي تحققها هذه العصابات من تجارة حبوب الفياجرا المغشوشة تفوق أرباح الاتجار الكوكايين بأكثر من ألفي مرة, وذلك ببساطة لأن ملايين البشر يعمدون الآن إلي شراء هذه الحبوب عبر شبكة الانترنت. كما ان هذه التجارة بحكم المنطق أكثر أمانا بكثير من الاتجار في المواد المخدرة. وذكرت الصحيفة أن المشكلة الخطيرة الكبري في هذا الأمر تتمثل في أن تعاطي هذه الأنواع المغشوشة من الفياجرا يمكن ان ينطوي علي مخاطر صحية جسيمة لأنها في نهاية المطاف عبارة عن كوكتيل من مواد كيماوية قد يؤدي امتزاجها مع بعضها البعض وتعاطيها إلي مخاطر صحية مروعة. أدوية قاتلة وقد نشرت هذه الصحيفة تلك القصة الخبرية بعد واقعة هزت سنغافورة, حيث جري الإعلان عن وفاة أربعة رجال إثر تعاطيهم منشطات جنسية مغشوشة. كما دخل ثلاثة رجال آخرين في غيبوبة لمدة خمسة أشهر كاملة جراء تعاطي نفس هذه الأدوية. ويقول جيم طومسون مؤسس مايسمي بالتحالف الاوروبي لتعاطي الأدوية الآمنة إن إمكانية تحقيق أرباح فاحشة من الاتجار في العقاقير المنشطة جنسيا تغري العصابات الإجرامية كي تنزل بكل ثقلها في سوق الفياجرا. ويوضح طومسون هذا الأمر بقوله إنه في وسع المرء شراء كيلو جرام واحد من المكونات الفعالة لعقار الفياجرا بما يعادل نحو ثلاثة وثلاثين جنيها إسترلينيا عبر شبكة الانترنت ليكون في وسعه صناعة عدد هائل من حبات هذا العقار الزرقاء, وليقوم بعد ذلك ببيعه محققا ربحا فلكيا يفوق معدل ربح الاتجار في المخدرات الكوكايين علي وجه التحديد بحوالي ألفي مرة. ويستطرد هذا الخبير طرحه في هذا الصدد قائلا إنه إذا أراد مجرم ما الحصول علي كيلو كوكايين من أحد معاقل إنتاج المخدرات في العالم مثل مدينة بوجوتا عاصمة كولومبيا فإن هذا المجرم قد يخسر حياته جراء هذه المغامرة, وإذا افترضنا جدلا انه نجا بحياته فإنه قد يتم القبض عليه وهو يقوم بالاتجار في كمية المخدرات التي جلبها من هناك, ومن ثم فإنه قد يواجه الحكم بالسجن لفترة طويلة بل وقد يحكم عليه بالإعدام, ولكن في حالة كيلو الفياجرا المغشوشة فانه لن يتعرض لكل هذه المخاطر, بل حتي اذا جري القاء القبض عليه فانه قد لايسجن اكثر من ثلاث سنوات.!!!! والأدوية المغشوشة عبارة عن مركبات كيميائية لاتتضمن في العادة الكميات المناسبة من المواد او المادة الفعالة اللازمة للشفاء من الامراض الموصوف لها الدواء الاصلي. بل إن هذه العقاقير المغشوشة قد لاتحتوي أصلا علي اي مواد فعالة علي الاطلاق وقد تكون مميتة. مكافحة الظاهرة وتتمثل المشكلة الكبري في هذا الصدد في أنه من الصعوبة بمكان الحد من هذه الظاهرة لان عملية مكافحتها تتطلب إمكانات تكنولوجية وشرطية هائلة. وإجمالا فانه لاتوجد دولة في العالم في مأمن الآن من هذه الظاهرة القاتلة, وإن كان هناك من يروج لنظرية ان تلك الظاهرة تتفاقم في الدول النامية بشكل يفوق بكثير الدول المتقدمة بسبب ضآلة الإمكانات في بلدان العالم الثالث, وضعف البنية التشريعية والقانونية التي تكافح هذه النوعية من الظواهر الإجرامية. وهناك بعض الأرقام المذهلة المتعلقة بهذه الظاهرة, والتي عادة ماتصيب كثيرين بالصدمة عند قراءتها او سماعها. فقد كشفت منظمة الصحة العالمية التابعة للامم المتحدة عن ان اكثر من عشرة في المائة من الادوية التي يجري بيعها في العالم مغشوشة. وتصل نسبة الأدوية المغشوشة في بعض دول العالم إلي أكثر من خمسين في المائة. وفي عام ألفين وثلاثة كشفت منظمة الصحة العالمية عن ان عائدات تجارة الأدوية المغشوشة تبلغ اثنين وثلاثين مليار دولار. ويقول خبراء في هذا الصدد إن العصابات الإجرامية التي تقوم بغش الأدوية عادة ما تعمد الي استخدام مواد كيماوية رخيصة للغاية كي تجني أرباحا طائلة من بيع هذه السموم. كارثة طبية وتتسبب هذه العصابات الآن في كارثة طبية عالمية إذ أنها علي سبيل المثال تقوم الآن بتصنيع مضادات حيوية مغشوشة تتسبب في نمو جيل جديد أكثر قوة وبطشا من البكتريا, وبشكل يهدد حياة المرضي, لأنه من الخطورة بمكان بالنسبة لأي مريض حسب الأطباء ألا يستكمل تعاطي مايسمي بجرعة المضاد الحيوي المكتمل الفاعلية الخاص به. وهناك معدات الكترونية عديدة يمكن استخدامها في الكشف عن هذه العقاقير المغشوشة مثل تلك التي تستخدم الترددات الراديوية في تتبع الأدوية عبر أرقامها المسلسلة المدونة عليها والتي من الصعب تزويرها. كما تتبني إدارة الأغذية والأدوية الأمريكية منظومة تتولي مراقبة الأدوية من المصنع الي الصيدلية. وفي الإمكان كذلك استخدام أشعة إكس في تمييز المستحضرات الطبية المغشوشة منها من السليمة وهي معبأة في عبواتها. ويجري اتهام الصين بأنها من بين المراكز اللافتة لإنتاج وتهريب الأدوية المغشوشة وثمة من يتحدث في هذا الخصوص عن إشكالية كبري تتعلق بهذه النقطة, وهي تلك التي تتمثل في تأكيد إدارة الأغذية والأدوية التابعة للدولة في الصين عدم مسئوليتها عن الإشراف علي المكونات الدوائية التي يجري تصنيعها وتصديرها من جانب شركات الكيماويات. كما أن هناك مشكلات أخري متعلقة بإثبات بلد منشأ هذه الأدوية المغشوشة فعلي سبيل المثال في شهر يونيو من عام9002, صادرت نيجيريا كمية ضخمة من أدوية الملاريا المغشوشة. وكانت عبوات هذه الأدوية مكتوبا عليها صنع في الهند ثم تبين بعد ذلك أنها مصنوعة في الصين وأنه تم توريدها لدول افريقية. وقد ذكرت السلطات النيجيرية في هذا الصدد ان هذه الواقعة لم تكن معزولة بمعني ان الأمر يمكن ان يشكل في حد ذاته ظاهرة بل ان هناك من أشار الي ان ماحدث قد لايشكل الا قمة جبل الجليد. وفي روسيا أعلنت مجموعة مستقلة تطلق علي نفسها اسم التحالف من أجل حقوق الملكية الفكرية أنها أجرت مسحا ميدانيا لسوق المستحضرات الدوائية الروسية تبين فيه ان حوالي21 في المائة من الأدوية في البلاد مغشوشة. أرقام في أرقام وذكر تقرير لمنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي ان منشأ خمسة وسبعين في المائة من الأدوية المغشوشة في العالم علي علاقة بالهند بشكل او بآخر. وحسب هذا التقرير فان مصر تسهم بنحو سبعة في المائة من تجارة هذه الأدوية القاتلة تليها الصين بنسبة ستة في المائة. وحتي الولاياتالمتحدة صاحبة اكبر اقتصاد في العالم والتي تحظي بواحد من أكثر التشريعات القانونية صرامة في العالم لم تفلت من عاصفة هذه الظاهرة المروعة. فقد وصل الأمر في أمريكا إلي حد أن الكونجرس اجري جلسة استماع خاصة في عام ألفين وخمسة لمراجعة الموقف في سوق الدواء الأمريكية التي تستحوذ علي حوالي أربعين في المائة من مبيعات الأدوية في العالم, لكن يظل من الصعوبة بمكان حتي علي الدول المتقدمة القضاء نهائيا علي هذه الظاهرة فما بالنا بالدول النامية التي تفتقر الي الإمكانات المالية والتكنولوجية بشكل خطير.