لم يستنكر أحد أن تكون مهمة القط لارى فى 10 داوننج ستريت، صيد الفئران، وكأننا نتحدث عن خرابة مهجورة يسكنها البوم والزواحف، وليس مقر رئاسة الوزراء البريطانى فى لندن. يتابع نحو خمسة وعشرين ألف موقع »Larry the Cat «، وبخلاف ما يتضمنه الموقع من صور للقط، يزخر أيضا بمقاطع فيديو لوزراء وسياسيين مع تعليقات ساخرة على الأحداث، عقب إعلان تريزا ماى استقالتها من رئاسة الوزراء يوم الجمعة الفائت، غرد أحد متابعى الموقع على لسان لارى مُفصحًا عن نيته الترشح لرئاسة الوزراء ومنافسة بوريس جونسون، أقوى المرشحين لخلافة ماى، تكهنات متعددة حول رئيس الوزراء القادم، وزراء سابقون استقالوا من حكومتها اعتراضًا على إدارتها ملف الخروج من الاتحاد الأوروبى، ووزراء حاليون، أطروا عليها بعد خطاب استقالتها، كلمات إنشائية لم تتخط حلوقهم. أسبوع مشحون بالعواطف والدموع والابتسامات، عواطف البريطانيين، ودموع تريزا على إخفاقها إتمام الخروج من الاتحاد الأوروبى، خلال ثلاث سنوات قضتها فى المنصب، عارضها فيها زملاؤها فى الحزب قبل منافسيها من حزب العمال، واستقال فيها ستة وثلاثين وزيرًا، لتسجل وزارتها رقمًا قياسيًا مقارنة باستقالات الوزراء فى غير أوقات التغيير الوزارى، والتى كان أعلاها 28 وزيرا خلال سنوات رئاسة تونى بلير العشر، 19972007، وابتسامات نارينداد مودى، رئيس وزراء الهند المُعاد انتخابه، متفوقًا على منافسه راهول غاندى، حفيد أنديرا غاندى، أحد أبرز رؤساء الوزراء، ابنة جواهر لال نهرو، أول رئيس وزراء للهند وتلميذ المهاتما غاندى، مؤسس حزب المؤتمر، فى كفاحه ضد الاحتلال الإنجليزي. تتفاوت مستويات المعيشة فى الهند، 1,3 مليار نسمة، بين غنى فاحش وفقر مدقع يعيش فيه أكثر من ثلاثمائة مليون مواطن، مُدن عالمية، بنجالور فى نظم المعلومات، وبومباى فى أفلام بوليود، وملايين لا يقرأون ولا يكتبون فى كل الولايات، بلد كانت تراه إنجلترا مزرعة شاى كبيرة، فحكمته بالنار والحديد زهاء مائة وخمسين عامًا، لتخرج منكسة الرأس أمام الكفاح السلمى لغاندى ونهرو ورفاقهما، لا طلقات رصاص ولا اعتداءات جسدية، فقط مظاهرات سلمية صامتة، تتصدى لها الشرطة الإنجليزية بأقسى مستويات العنف، يقابلها المتظاهرون بتقدم صفوف جديدة خلف الصفوف التى سقطت مضرجة فى دمائها دون اعتراض ودون دفاع، لم يكن الحرج الدولى الذى واجهته إنجلترا فى الهند السبب الرئيسى لانسحابها وإعلان استقلال البلد، بل الحرج الداخلى فى المجتمع الإنجليزى والإحساس بالذنب تجاه أولئك البسطاء المسالمين، أقسى أنواع الإدانة أن تلوم نفسك. انتهج قادة حزب المؤتمر سياسات داخلية توافقية لبلد يتحدث سكانه أكثر من ثلاثين لغة محلية، ويضم أعراق وديانات ومذاهب مختلفة، على النقيض، جاء مودى بفكر يختلف تمام الاختلاف، هندوسى متعصب، ارتفعت خلال فترة رئاسته للوزراء فى الخمس سنوات الماضية حوادث العنف ضد المسلمين، انتهت كثير منها بالقتل يزكيها تباطؤ شُرَطى فى التحقيق وإظهار النتائج. صوت نحو ستمائة مليون هندى فى الانتخابات الأخيرة يدفعهم ما حققه مودى من معدل نمو بلغ 7% خلال سنواته الخمس الأولى ورغبته فى إقامة دولة هندوسية، على الجانب الآخر أعطى المسلمون صوتهم لراهول غاندى، مرشح حزب المؤتمر، إلا أنه خسر أمام مودى، المنحدر من أسرة تنتمى لطبقة شديدة الفقر، بالكاد يملك عائلها قوت يومه من بيع الشاى فى مواقف السيارات والقطارات ويساعده ابنه. أسبوع واحد شهد نهاية رئاسة تريزا ماى، ابنة القس، وفوز بائع الشاى، خسرت طالبة الفنون وفاز طالب الشئون السياسية، وإن ظل كلاهما رجل دولة.