كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جمَّ التَّواضُع، لا يعتريه كِبرٌ ولا بَطَرٌ على رِفْعَة قَدْرِه وعلوِّ منزلته، يخفض جناحه للمؤمنين ولا يتعاظم عليهم، ويجلس بينهم كواحد منهم، ولا يُعْرَف مجلسه مِن مجلس أصحابه؛ لأنَّه كان يجلس حيث ينتهى به المجلس، ويجلس بين ظهرانيهم فيجيء الغريب فلا يدرى أيُّهم هو حتى يسأل عنه، روى أبو داود فى سننه عن أبى ذرٍّ وأبى هريرة رضى الله عنهما قالا: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس بين ظهرى أصحابه فيجيء الغريب فلا يدرى أيُّهم هو حتى يسأل، فطلبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجعل له مجلسًا يعرفه الغريب إذا أتاه». وقال له رجل: يا محمَّد، أيا سيِّدنا وابن سيِّدنا، وخيرنا وابن خيرنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أيُّها النَّاس، عليكم بتقواكم، ولا يستهوينَّكم الشَّيطان، أنا محمَّد بن عبد الله، أنا عبد الله ورسوله، ما أحبُّ أن ترفعونى فوق منزلتى التى أنزلنيها الله». يتواضع للمؤمنين، يقف مع العجوز ويزور المريض ويعطف على المسكين، ويصل البائس ويواسى المستضعفين ويداعب الأطفال ويمازح الأهل ويكلم الأَمة، ويواكل الناس ويجلس على التراب وينام على الثرى، ويفترش الرمل ويتوسّد الحصير، ولما رآه رجل ارتجف من هيبته فقال صلى الله عليه وسلم: «هوّن عليك، فإنى ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة».