«وإذا مرضت فهو يشفين» (الشعراء: 80) هناك فرق كبير بين التداوى أو العلاج وبين الشفاء ففى اللغة (داوي) المريض ونحوه ودواء أى عالجه و(تداوي) أى تناول الدواء أو العلاج على العكس (شفي) الله العليل شفاء أى أبرأه من علته و(استشفي) من علته أى (برئ) و(استشفي) المريض من علته أى طلب الشفاء و(المستشفي) هى دار الاستشفاء. ومن أمثلة الأمراض التى يتعرض لها الإنسان الأمراض البكتيرية، وعلى سبيل المثال لا الحصر يتعرض جسم الإنسان من الأغشية المخاطية لملايين البكتيريا الهوائية، واللاهوائية وقد تكون هذه البكتيريا موجبة أو سالبة الجرام طبقا للعينة التى تستخدم فى إيضاحها تحت الميكروسكوب. ولكن كيف تحدث العدوى على سبيل المثال بالجهاز التنفسي؟ * عندما يدخل الميكروب إلى الجهاز التنفسى فإنه يلتصق بالخلايا الطلائية فى عملية تسمى (Adhesion) عن طريق مستقبلات على هذه الخلايا وبواسطة عوامل التصاق خاصة وفى الحالات التى تقل فيها مناعة الجسم مثل نقص المناعة والتدخين أو الأمراض المزمنة فإن هذه الخلايا البكتيرية تقوم بعملية تكاثر فيها يزداد العدد بكثرة ثم عملية استعمار ويحدث تغيرات وتباطؤ موضعى فى الدورة الدموية مع حدوث تسرب للبلازما فى الأنسجة بين الخلوية مع غزو المنطقة بالخلايا المناعية. * تشمل الخلايا المناعية البيضاء والمحببة وبعد ذلك الخلايا أحادية الأنوية مثل الخلايا وحيدة النواة والخلايا الليمفاوية. *يتم إفراز مواد وسيطة تؤدى إلى غزو الأنسجة الملتهبة بالخلايا. * تعمل مواد مساعدة أمثال C3a-C5a على إفراز مادة الهستامين من الخلايا المختزنة والتى تؤدى إلى زيادة نفاذية الأوعية الدموية لزيادة ورود الخلايا المناعية إلى المنطقة الملتهبة. * تأتى بعد ذلك مرحلة النقاهة عن طريق عوامل مناعية مهمة مثل إفراز مواد تساعد على تحرير المواد لإنتاج الخلايا المكونة للألياف من الخلايا الليمفاوية. ولكن كيف تقوم الخلايا المناعية بتحطيم البكتيريا؟ تلتصق مادة (c3b) بالبكتيريا، وثم تقوم مادة C3b والملتصق بها البكتيريا بالالتصاق إلى خلايا الدم الدفاعية والتى تسمى لاقمات البكتيريا عن طريق مستقبلات خاصة على هذه الخلايا عادة C3b أى أن هذه المادة هى عامل مساعد لإلصاق البكتيريا بلاقمات البكتيريا لتسهيل التفافها والتعامل معها. ويتم إفراز مادة تسمى لاكتوفيرين المرتبطة بالحديد، نتيجة لتكوين المادة السابقة يتم سحب مادة الحديد من البكتيريا وبالتالى تثبيطها، تقوم المادة المساعدة C3a يجذب خلايا الدم البيضاء المحببة إلى المنطقة، ومع زيادة غشائية الأوعية الدموية يتم اندفاع الخلايا إلى مكان الالتهاب، وتقوم المادة المساعدة C5a بإخراج الحبيبات من الخلايا المختزنة والتى تؤدى بالتالى إلى إفراز مواد وسيطة تؤدى إلى زيادة نفاذ الشعيرات الدموية. وتقوم لاقمات البكتيريا بإدخال البكتيريا بداخلها وتحليلها وتحطيمها والتخلص من بقاياها وتعتبر لاقمات البكتيريا هى الأساس فى مقاومة الميكروبات غير النوعية، وأما مادة (Tranferrin) فتقوم بسحب الحديد من البكتيريا وتثبيطها ومادة (Fibronectin) فتقوم بمنع التصاق الخلايا الطبيعية بالبكتيريا. وهكذا يتضح كيف يدخل الميكروب الجسم وكيف يقاومه الجسم بدون تدخل خارجى بالأدوية لإحداث الشفاء، هذا ولم تكن كل هذه التفاصيل الدقيقة فى مقاومة الأمراض البكتيرية معروفة إلا بعد التقدم العلمى الهائل فى علوم الباثولوجيا والبكتريولوجيا والمناعة منذ عدة عقود، وصدق من قال فى كتابه الكريم منذ أكثر 1400عام فى سورة الشعراء آية 80«وإذا مرضت فهو يشفين».