يجتاح العالم شبق حصد المعلومات من كل نوع وشكل، لاتخاذ قرارات على أسس صحيحة ودقيقة، مع الوقت تطورت نوعية المعلومات وأهميتها. وأوجدت البرامج المتخصصة أداة فعالة لتحليل فيض البيانات المتدفق وتصنيفها وتحويلها إلى معلومات تبنى بها سلاسل معارف، يقارن ستيفن بايكر فى كتابه (الرقميون)، بين الحكم البوليسى فى ألمانياالشرقية، حتى انهيار جدار برلين فى نوفمبر 1989، والرقابة على الإنترنت، فى ألمانيا ولضمان الحصول على تقارير أمنية عالية المستوى، عُين عشرات الآلاف من المواطنين كجواسيس، الأمر الذى أدى إلى تلقى مقر المخابرات آلاف التقارير اليومية، يحتاج تحليلها بشكل دقيق لاستخلاص النتائج واتخاذ القرارات بناءً عليها، الأمر الذى وضع المسئولين أمام ضغط عمل لم يتخيلوه حين اتخذوا هذا القرار، اليوم، تتكفل الثورة الرقمية بالأمر، فنحن المواطن والجاسوس، ترسل الهواتف والحواسب أرتالاً من البيانات عن تفاصيل حياتنا، حولها الرقميون إلى مختبر هائل للسلوك الإنسانى، وحقل تجارب للعلوم الاجتماعية والاقتصادية وعلم النفس. فى الماضى، لم تمتلك الشركات وسائل كافية لقياس مستويات أداء موظفيها، اليوم وعبر تتبع تصرفاتهم وردود فعلهم على شاشات الحاسب، يمكن معرفة تفاصيل ساعات العمل التى يقضيها الموظفون، ماذا قرأ، وماذا شاهد، ولمن استمع، ومدة كل إجراء، ولأن المراقبة أصبحت ممكنة، صار التوجيه ممكن بالتبعية، ليس هذا فحسب، بل ورسم سبل تعظيم الاستفادة من أدائهم، نمذجت شركة IBM مهارات المئات من مستشاريها بهدف تحديد أفضل الطرق للاستفادة منهم معتمدة على نظريات الاحتمالات العشوائية التى ابتكرتها الرياضيات وتطبيقها على أسواق المال والطقس والاقتصاد، بل والسياسة، ليحل العلم محل الظن، مكنت نظرية الاحتمالات المدراء من تكوين فرق عمل ذات كفاءة عالية وبتكاليف أقل، حيث تتولى برامج متخصصة تكوين فرق العمل وانتقاء أنسب الأفراد، عبر سلسلة من التباديل والتوافيق، واقتراح الدورات التدريبية المتخصصة، لكل منهم، إن استدعى الأمر. ما إن يمرر (الكاشير) بطاقة الائتمان الخاصة بأحد الزبائن فى الشق المخصص لها حتى تنكشف رغبات الزبون، تحدد الشركات المنتجات الأكثر إقبالاً والعكس، وحجم المخزون منها والمتاح فى الأسواق، ومتى تطلب شحنات إضافية، لا يملك أصحاب المحلات الكبيرة القدرة على إقامة علاقات إنسانية مع زبائنهم، كما يفعل تجار التجزئة، تمكنهم من توقع آثار رفع أو خفض أسعار منتجاتهم، وترشدهم إلى أذواق ورغبات عملائهم المنتشرين بالآلاف والملايين فى أنحاء العالم /الدولة، حيث تجرى العمليات عبر شاشات كمبيوتر وليس من خلال أفراد، يرتفع مستوى التعقيد بشراء بعض المستهلكين لماركات بعينها، بغض النظر عن سعرها، ويطلق عليهم العملاء المخلصين Brand Loyalty، الذين يغضون الطرف عن أسعار منتجاتهم الأثيرة، ولو على حساب احتياجات أخرى. لتوسيع قاعدة الولاء والإخلاص للماركات التجارية والمحلات، تستخدم بعض المتاجر عربات تسوق ذكية، تسمح للمتسوق بتمرير كارت العميل الدائم (كارت تهدية المتاجر إلى زبائنها الدائمين)، فترشده العربات إلى مواقع الخصومات، مع بعض النصائح التى تتناسب ورغباته فى الشراء، مع الوقت، يُسلم المتسوق أمره لنصائح تلك العربات الذكية، ويعهد إليها باتخاذ قرارات الشراء لتنتقل الثورة الرقمية، متكئة على حصد وهضم معلومات الماضى والحاضر، إلى مستوى يمكننا من توقع ما سنقوم به غداً. [email protected]