يوما بعد يوم، وحادثا بعد حادث، تطفئ دماء الشهداء الطاهرة نيران الإرهاب الغادرة وتخمدها..فتأكل نيرانهم بعضها بعضا، وتتصارع جذوتها المتقدة بالغل والحقد فترسل صغارها محاولة إشعال النيران من جديد لكن هيهات فدماء الحق كطوفان مطر طاهر يواصل إغراقهم. أرواح الشهداء تتلاقى وكأن أرواح الشهداء فى اصطفافها ضد أرواح الشر والإرهاب الأسود تشد أزر بعضها بعضا، حتى وإن بعدت مسافات المكان واختلفت أحداث ميادين القتال، فروح الشهيد ماجد عبد الرازق وكأنها ترسل لنا رسالة بأنها تعرف موعدها، تطل علينا فى مكالمة هاتفية بين الشهيد وزميل دفعته «محمد عطية» الذى ترك الشرطة وعمل وكيلا للنيابة فى الساعة الثانية و11 دقيقة وقبل موعد الاستشهاد بساعتين تقريبا، حيث يذكر الشهيد ماجد أن روحه تتوق لأرواح زملائه الذين سبقوه بالشهادة وهم الشهيد النقيب إسلام مشهور ومحمد أشرف ومحمد محمود عبد العزيز ومحمد نطاطا متمنيا أن يلحق بهم. لا تبعد المسافات على أرواح الشهداء فتأتى الصورة لتذكرنا برسالة أعمق وأشد تأثيراً..صورة تجمع بين شهيد النزهة النقيب ماجد عبد الرازق وشهيد الشيخ زويد الرائد ماجد صبرى، حملا نفس الاسم ولقيا نفس الخاتمة، وكأنهم يقولون لنا.. قدمنا أرواحنا فداء لكم وللوطن وأطفأت دماؤنا نيرانا للإرهاب الأسود فلا تحرمونا من صالح دعائكم ولا تحزنوا علينا.. فدماء المصريين بنيان مرصوص يحمى بعضه بعضا. عيون تحرس الوطن للإرهاب عيون ترى بظلام الشر لكن نور عيون الشهداء تبدده وتجعله يتوارى فى ثقوب سوداء سحيقة. وضعت عيون الإرهاب مجهرها على النقيب ماجد عبدالرازق فقد تتبعته فى ليال عدة وعلمت أنه لا يتوان فى عمله وأن دوريته لا تتوقف تبث الطمأنينة فى قلوب النائمين والسائرين فى الشوارع، فاتخذت ركنا قصيا فى بقعة سوداء كقلوبهم وانتظرته؛ فارتاب فيها الشهيد وتحرك نحوها ولأن قلوب الشهداء لا تعرف الغدر..ولا تطلق النار حتى تستبين .. فاجأته طلقاتهم الرشاشة فأردته شهيدًا وبعضا من زملائه. فى اتصال ل«الأهرام المسائى» مع زميل دفعة آخر هو «مصطفى عطية» وكيل نيابة أيضا يذكر وهو يغالب دموعا غزيرة تنزف كدماء الشهداء أن الشهيد ماجد كان لا يترك مناسبة إلا ويسأله عن مدى اجتهاده فى عمله قائلا له «أنا لا استطيع أن أذهب إلى بيتى إلا بعد أن أرضى عن أداء واجبى وما دام الله يمتعنى بالصحة فلن أتوقف عن جوب الشوارع لضبط الخارجين عن القانون». القرآن يثبت الشهداء بعد أن انكشف تدثر خوارج العصر ورءوس الشر بالذقون طويلة والشعور الأكثر طولا وبنكات سوداء تحملها جباهم كتلك التى ملأت قلوبهم؛ أخفوا نفوسهم المريضة فى لباس العامة من المصريين .. لكن من حملت أضلعه القرآن يكشفهم ويتصدى لهم فنرى الشهيد ماجد عبد الرازق حافظا للقرآن الكريم كاملا وكان بصوته الشجى، كما ذكر ل«الأهرام المسائى» زميل له رفض أن يذكر اسمه، يقرأه فى الإذاعة المدرسية منذ صغره ليلقى بعد التحاقه بكلية الشرطة، وهو لا يزال فى فرقة المستجدين تكريما مستحقا من رئيس أكاديمية الشرطة. بطولة وإقدام فى اتصال آخر بزميل للشهيد ماجد يروى لنا حكاية ذات مغزى، فالشهداء لا تكون بطولتهم فى موقف دون آخر، ولا تقتصر شجاعتهم على حين دون آخر. هرب أحد تجار السلاح بعد أن شعر أن قوات الشرطة داهمته وأحاطت به من كل جانب، فهم بأن يمسك سلاحه ويطلق دفعات رشاشة يفتح بها ثغرة يهرب منها خوفا من مصيره المحتوم.. لتتقد جذوة الشجاعة فى روحه الوثابة ويتوقع ما نوى عليه تاجر السلاح، وفى لمح البرق ينقض عليه قبل أن يهم تاجر الشر بالضغط على الزناد ويتمكن من القبض عليه. هناك فرق صورتان نقيضتان تفرقان بين الدعوة للحياة والحث على الموت.. الصورة الأولى حملت فيها زوجة الشهيد ابنتها ليالى وهى التى لا تزال فى المهد صبية أثناء تشييعها لجنازة زوجها.. التقاها وزير الداخلية اللواء محمود توفيق يواسيها لكنها قالت بغير قول إن الشهيد زوجها لم يخش عليها وعلى حياة ابنته الوليدة فالوطن بأبنائه باق سيحميها حتى تصبح زهرة جميلة تعطى ثمارها من أبناء سيستمرون فى الدفاع عنه وأن روح زوجها الشهيد ليست أغلى من أرواح من سبقوه من الشهداء وأنه قدمها عن طيب خاطر فى سبيل الله والوطن. الصورة النقيض بطلها مراهق لم يبلغ من العمر 15 عامًا قدمه والداه أو ربما آبائه فى الإرهاب لكن على مذبح الشر والتطرف بعد أن ملئوا قلبه الصغير بالحقد والبغضاء حسدا من عند أنفسهم وأوهموه بأن عمره تأخر وعليه أن يلحق بالحور العين ولم تفكر جذوة النار التى فجرت نفسها فى الأبرياء المسالمين فى سوق الثلاثاء بالشيخ زويد أن من أرسلوه إلى الجحيم أكبر منه عمرا، وجاثمون فى أماكنهم يحاولون التمتع بحياة مظلمة ملؤها الخوف. الغدر إلى زوال هناك وفى توقيت لا يبعد كثيرا.. وقف رئيس مباحث الشيخ زويد ورجاله يؤمنون سوقا مكتظة بالمواطنين الذين يبيعون ويشترون فهم يحبون الحياة التى أمر الله بالحفاظ عليها وأن تعمل فى طريق العمران.. لتندس قنبلة صغيرة.. مراهق صغير.. لوثوا عقله الضعيف بأفكار سوداء فأعمته ليفجر نفسه ومعها دماء شهداء كثر التى تتطاير فى الهواء لتعود كقطرات مطر تروى الأرض الصامدة فى وجه الغدر والإرهاب. خيانة فى أحقر صورها لا تزال خيانتهم لله والوطن مستمرة.. فيخادعون الله وما يخدعون إلا أنفسهم ويقدمون أرواح تابعيهم وذويهم ليقتلوا الحياة التى أمر الله بحمايتها وصونها ويبثوا الرعب والفزع فى قلوب الآمنين؛ ويخونون الوطن فهو لديهم حفنة من تراب عفن محاولين كشف ستره وحمايته لأعدائه، وما إن علموا بسفر قائده إلى الخارج حتى دفعوا بطفل أحاطوه بحزام ناسف ليقولوا لأعداء الوطن إنه غير آمن وأن العيش فيه مخيف؛ لكنهم ينسون أن دماء شهداء هذا الوطن جذورها ثابتة وأفرعها تعانق السماء وأنها لهم بالمرصاد.