من رحمة الله أن جعل فى أيامه نفحات يتفضل بها على عباده، فكما أختار الله تعالى الرسل من بين الناس وفضل الرسل بعضهم على بعض والأماكن فضلها بعضها على بعض، فجعل الصلاة فى الكعبة بمائة ألف صلاة فيما سواه وفى المسجد النبوى بألف صلاة فيما سواه وفى الاقصى بخمسمائة صلاة فيما سواه.. اختار سبحانه وتعالى من الأيام أياما فضلها على سائر غيرها وجعل بعض هذه الأيام فرصة لعباده يتفضل عليهم فيها بالرحمة والمغفرة وجعلها موسما لطاعاته، ومقدمة لأفضل الشهور، فكان سيد الخلق حريصا على تعليم أمته أفضليته واغتنام أوقاته. حول فضل شهر شعبان وما يجب على المسلم القيام يقول الشيخ رضا حشاد أن شهر شعبان شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله تبارك وتعالى وكان من هديه صلى الله عليه وسلم انه كان يصوم أكثره ومن هنا لما كان محل رفع الأعمال أعطاه النبى صلى الله عليه وسلم عناية واهتمام فينبغى على العبد أن يهتم بما أهتم به النبى صلى الله عليه وسلم وبالنسبة لرفع الأعمال فهناك رفع يومى ورفع اسبوعى ورفع سنوى أما الرفع اليومى يكون فى صلاة الفجر والعصر لقوله صلوات الله عليه “يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل والنهار” والرفع الأسبوعى يكون يومى الاثنين والخميس والرسول قال بان هذه الأيام ترفع فيها الأعمال إلى الله وأحب أن يرفع عملى وأنا صائم “ أما الرفع السنوى يكون في شهر شعبان فهو بمثابة محطة وبوابة رئيسية لدخول شهر رمضان فمن لم يتهم بما أهتم به رسول الله بقراءة القرآن والإكثار من العبادات والاستغفار وفقد ضيع عليه شهر رمضان ولذلك كان السلف الصالح يجتهدون فى مراجعة القرآن استعدادا لرمضان ومنهم من كان يجتهد فى مع المال للتفرغ فى رمضان للعبادة وكما قيل أن الحسنة تجر أختها والسيئة أيضا تجر آختها فمن اجتهد فى شعبان فتحت له أبواب رمضان ومن تكاسل فيه أغلقت فى وجهه أبواب رمضان ويضيف الشيخ حشاد من كان عليه قضاء فليسرع فيه بقضائه وكما أن الصيام فى شعبان من النوافل التى شرعت قبل الفرائض أو بعدها فبعد الفرائض لجبر الخلل الذى حدث فيها وقبلها من باب التدريب والتهيئة ولذلك شرع صيام شعبان من باب الترويض للنفس والاستعداد لشهر رمضان لتكون فى غاية الاستعداد ولتشعر بلذة الصيام وهذا لا يتحقق إلا من خلال الإكثار من النوافل والتى تقرب العبد إلى الله لقوله تعالى “لا يزال يتقرب إلى عبدى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ويده التى يبطش بها ولئن سألنى لأعطينه وان استعاذ بى لأعيذنه ولذلك كان النبى يعمره بالطاعة مما يدل على أن أوقات الغفلة يستحب فيها الطاعة أو أن ذلك محبوب عند الله ولذلك كانت العبادة وقت الهرج “الفوضي» كهجرة إلى النبى وكان ذكر الله فى السوق بأجر مضاعف لقوله صلى الله عليه وسلم «من دخل سوقا من الأسواق فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ورفع له ألف ألف درجة ومحا عنه ألف ألف خطيئة”. ويشير الشيخ فكرى حسن عضو المجلس الاعلى للشئون الإسلامية سابقا إلى أن شهر شعبان لما فيه من الخيرات يطلق عليه العلماء بأنه شهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمى بهذا الإسم لأنه يتشعب منه خير كثير فقد روت كتب السنة أن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت “ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صياما منه كما يصوم فى شعبان”. وهذا الحديث يدل دلالة واضحة على فضل هذا الشهر وما فيه من نفحات كثيرة حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن نتعرض لها، ولقد ورد أن أسامة بن زيد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبب كثرة صيامه فى شهر شعبان فقال عليه الصلاة والسلام “ذاك شهر يغفل الناس عنه يقع بين رجب ورمضان فيه ترفع الاعمال إلى الله تعالى وأحب أن يرفع عملى إلى الله وأنا صائم” وهذا الحديث يشير إلى فضل عظيم من فضائل شهر شعبان وهذا الفضل يرجع إلى أن التقرير السنوى عن أفعال العباد يرفع إلى السماء سنويا فى شهر شعبان فكأنما العام الذى يتحدث عنه الرسول يبدأ من رمضان وينتهى فى شعبان حيث ترفع الأعمال إلى الله. كما ان اختيار الرسول لكثرة الصيام فى شعبان يرجع إلى أن هذه العبادة طابعها الاساسى الاخلاص فى العبادات فكأن النبى يقول للمسلمين أخلصوا النيات وأدوا الحقوق للعباد وأكثروا من الصلة بالله خاصة وأن هذا الشهر تختم به السنة التشريعية بالنسبة لما يتنزل من القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم بدليل أن أمين الوحى جبريل كان يأتى لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى شهر رمضان يوميا ليدارسه القرآن فيقرأ على رسول الله ورسول الله يقرأ على جبريل ما نزل فى العام الماضى وما قبله وهذا أشبه بالمراجعة السنوية على ما نزل من القرآن الكريم بين رسول الله وبين الأمين جبريل كما أن هذا الشهر خصه الله تعالى بحدث تاريخى عظيم وهو تحويل القبلة من بيت المقدس إلى بيت الله الحرام وكان ذلك فى اليوم الخامس عشر من شهر شعبان من السنة الثانية من الهجرة وهو ما فيه من الكثير من العبر والدروس أهمها أن المسلمين يؤمنون بجميع رسالات السماء ولا يفضلون نبيا على نبى فهم أخوة جميعا والإسلام قرر هذا فى القرآن الكريم حيث قال تعالى « والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون».