فى زيارته للناصرة يزور الوحيد بيت الأسرة، يتذكر وقوفه صغيرًا يراقب مشاكسة الموج لجدار المنزل، وشجرة الزيتون المثقلة فروعها بحباته، يعصر الفلسطينيون همومهم مع حبات الزيتون، مسخ اليهود المدينة وغيروا أسماء شوارعها العربية بأخرى عبرية سرقوا حجارة المنازل القديمة وبنوا بها بيوتهم ومقاهيهم. فى إحدى دورات المياه تقع عيناه على حجر بيت جده المنقوش عليه اسمه وسنة إنشائه. تنتابه نوبة هياج محاولًا فصل الحجر عن الحائط، تمنعه الشرطة فيشتبك معها، يصاب شرطى بإصابة بالغة تُفضى إلى موته ويُقبض عليه. تستدعى الشرطة صديقه بشارة للشهادة، ولد فى حيفا لأبوين من عرب إسرائيل، رغم جنسيته الإسرائيلية، يتصدى لمحاولات الشرطة ليّْ كلماته لإثبات التهمة على الوحيد، تلك هى تيمة رواية (وارث الشواهد) للكاتب الفلسطينى وليد الشرفا. فى عام 1948 ضمت إسرائيل حيفا وقائمة طويلة من القرى والمدن الفلسطينية، عكا، ويافا، والرملة، والجليل، والناصرة، وأريحا، وبئر سبع، والخليل، وغيرها، وبعد سنوات احتلت الضفة الغربية بما فيها القدسالشرقية وقطاع غزة، وشبه جزيرة سيناء، وهضبة الجولان، حمل الصراع عناوين عدة ترجمت أبعادًا أيديولوجية وسياسية، آخرها الخلاف العربى الفلسطينى وكأنه تباين وجهات نظر فى مسألة فقهية متناسيًا ابتلاع دولة. فى غضون أربعة عشر شهرًا، اعترفت أمريكابالقدس عاصمة لإسرائيل ومن بعدها بقرار ضم الجولان فى تجاهل مهين لاحتمالات ردود فعل تنحصر بين قنابل الشجب وصواريخ الرفض ورصاص التنديد. اعتمد قرار الضم على ثلاثة أبعاد، الأول عقائدى ويخص المكانة الدينية للقدس والثانى إستراتيجى ويتعلق بالموقع الجغرافى للجولان وما تختزنه من ثروات طبيعية، نفط وغاز، والثالث قوة عسكرية تضيف مساحات جديدة لدولة كانت، قبل سبعين عامًا، مجرد وعد. على الجانب الأمريكى، يحافظ ترامب على ثبات مشاهد توقيع القرارات المثيرة للجدل، كاميرات فى المواجهة بينما هو جالس على مكتبه يقلب عينيه فى أوراق يجمعها غلاف جلدى فاخر، يقطب جبينه، يَزُم شفتيه، ترتفع ذقنه قليلًا، يضع توقيعه الميمون، يعرض الملف فى عيون الكاميرات مثلما اعتاد فى صفقاته التجارية، منذ تولى الرئاسة احترف إطلاق العواصف، يبحث بمنطق رجل الأعمال عن مزيد من الصفقات والمكاسب، مؤكدًا فى كل قراراته أحقية القوة فى فرض كلمتها، صعب أن تخلع ماضيك أمام عتبتك الجديدة حتى لو انتفضت الدنيا من حولك. فى الزنزانة يتذكر الوحيد الانتفاضة، أبوه المقبور على حدود البلدة القديمة، خوف أمه عليه، نظرات وداع جده له، شوارع الطفولة، الكنافة النابلسية الساخنة ولونها المتجمر، صوانى الشاى والقهوة، رائحة الخبز بالزيت، ابتهالات المسجد فى العيد والقباب الخضراء، دقات الكنائس فى الأعياد، حتى رائحة التراب يذكرها ويشتاق إليها. عاش بشارة فى حيفا كإسرائيلي، درس فى مدارسها وتخرج فى كلياتها، يتكلم العبرية وإن لم ينس لغة أبويه، العربية، أمام صمود صديقه الوحيد يعيد اكتشاف أصوله الفلسطينية، يزور البلدات القديمة، تقع عيناه على لوحات الشوارع بأسمائها العبرية الجديدة، يطالع صور الشهداء وشواهد قبورهم، ما زالت الشرطة تحاول انتزاع شهادة تدين صديقه لكنه يقاوم ويرفض فى تحد التخلى عنه، وضعوه تحت الإقامة الجبرية ثم اعتقلوه بتهمة التواطؤ وتأييد المخربين، وتنتهى الرواية فى عرض مشهد المحاكمة، ينطلق بشارة مدافعًا عن صديقه فاضحًا عنصرية إسرائيل، يصرخ فيه القاضى ليصمت فلا يتوقف، يهدده بسحب جنسيته الإسرائيلية، يرد عليه فى هدوء ساخرًا «ماذا سأخسر إن فعلت؟ سأعود فلسطينيًا نقيًا».