فى أقل من 6 أشهر كرمت مصر المنتجة التونسية درة بوشوشة مرتين باعتبارها واحدة من أهم الناشطين فى مجال صناعة السينما فى أنحاء الوطن العربى كله وليس على مستوى تونس فقط، فهى واحدة من القلائل الذين يُطلق عليهم مصطلح المنتج المبدع الذى يشارك المخرج فى بناء كل تفاصيل الفيلم، بداية من ميلاد الفكرة وخلال مراحل تطوير السيناريو وفى تصميم الديكور واختيار الملابس ومواقع التصوير ويسعى أيضا لجذب التمويل والإنتاج المشترك من مؤسسات عالمية، وهى عضو أساسي فى العديد من ورش تطوير السيناريو وتدريب المواهب السينمائية الشابة فى تونس وعدد من الدول العربية، واستطاعت أن تساعد عددا كبيرا من المخرجين الشباب بالوصول بأفلامهم لأكبر المنصات العالمية والمهرجانات الكبرى مثل كان وبرلين وفينسيا وحازت بعضها على جوائز مهمة مثل فيلم «نحبك هادى» للمخرج محمد بن عطية الذى حصل عنه مجد مستورة على الدب الفضى لأفضل ممثل فى مهرجان برلين، وتستعد درة حاليا للدخول فى تجربة إنتاج مشترك لأول مرة فى مصر وفى هذا الحوار تحدثنا عن هذه التجربة ورؤيتها عن السينما وتكريمها فى مصر. كيف ترين تكريمك فى مصر للمرة الثانية خلال أشهر قليلة؟ أشعر أنى محظوظة جدا، لأنى كرمت منذ 6 أشهر فقط فى مهرجان الجونة السينمائي، وبعدها تم تكريمى فى إيطاليا، ثم عدت إلى مصر مرة أخرى لأتلقى التكريم فى مهرجان الأقصر، صحيح أن تكريمى فى إيطاليا كبير أيضا ولكنه لا يمنحنى القدر نفسه من البهجة الذى أشعر بها بسبب تكريمى فى مصر فهو شرف وفخر كبير ويتملكنى إحساس بالسعادة لا أستطيع وصفه. هل هذه هى المرة الأولى لك فى الأقصر؟ لا، فالمرة الأولى كانت قبل 30 عاما جئت إليها لقضاء إجازة وأعجبت بها جدا وبجمالها وتاريخها، ثم عدت مرة أخرى للمشاركة فى لجنة تحكيم الأفلام التسجيلية بمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية فى عام 2015. هل كان لك نشاط سينمائي فى مصر من قبل؟ نعم، لم أنتج فيلما فى مصر من قبل، لكنى عملت مع العديد من المخرجين المصريين على تطوير سيناريوهاتهم، من خلال ورشة كتابة الجنوب التى نُعاون فيها الكاتب أو صانع الفيلم على بلورة فكرته والتعمق فى الموضوع وكتابة السيناريو، وشارك فيها من قبل شريف البندارى وآيتن أمين وإبراهيم البطوط وكثيرون غيرهم من مصر ودول عربية وإفريقية أخرى مثل الجزائر والمغرب ولبنان، فقد شارك فى هذه الورش أكثر من 250 مخرجا قدموا أعمالا متميزة وعرضت أعمالهم فى مهرجانات عالمية، وبالإضافة لهذا أشارك فى ورش تطوير السيناريو فى دول عربية أخرى مثل الأردن والدوحة لمساعدة شباب السينمائيين الموهوبين على تنمية مهاراتهم والوصول للساحة العالمية. ما تعريف المنتج المبدع وهل من السهل أن يتقبل المخرج تدخل المنتج فى تفاصيل العمل؟ فكرة المنتج المبدع موجودة فى العالم كله، ولا أتحدث هنا عن الأفلام التجارية وإنما عن سينما المؤلف لابد أن يكون منتجها مبدعا فقد انتهت فكرة أن يكون دور المنتج قاصرا على توفير المال للإنتاج فقط، فطبيعة الإنتاج الآن أصبحت مختلفة والمنتج هو الذى يبحث عن مصادر لتمويل الفيلم من جهات مختلفة وبالتالى لابد أن يكون مقتنعا تماما بالفكرة وموضوع الفيلم مثل المخرج تماما حتى يمكنه أن يعرضه على الآخرين ويقنعهم بدعم الفيلم، وإذا لم يكن مقتنعا ولا يفهم فكرة الفيلم الذى يقوم بإنتاجه ولا يعرف عنها شيئا لن يتمكن من إقناع جهات الدعم والتوزيع بها، فهو عمل جماعي، خاصة أننى أعتمد فى عملى على إحساسى ولا أنتج فيلما إلا إذا مسنى من الداخل، ولا أؤمن بفكرة المنتج الذى يقدم المال فقط فالأمر لم يعد يسير بهذه الطريقة فى أى مكان فى العالم، نحن نعيش الآن فى زمن الصورة والمنافسة قوية وصعبة جدا فى مجال السينما، فالكل يسعى لأن يكون صانع أفلام، ولهذا إذا لم يعمل المخرج والمنتج معا وباجتهاد على سيناريو قوى وإذا لم يكن لديهما شيء جيد لعرضه، سيضيعان وسط زحام صناع الأفلام، وفى الأغلب المنتج هو الذى يذهب لعرض الفيلم فى سوق الإنتاج المشترك ولهذا لابد أن يمتلك الشغف نفسه تجاه الفيلم مثله مثل المخرج فهو أيضا صانع للفيلم مع الأخير وإلا لن يتمكن من أداء عمله، هذه الطريقة فى العمل ضرورة بالنسبة لنا فى تونس ولكل صناع السينما المستقلة فى العالم بينما يختلف الأمر قليلا فى مصر لأن بها صناعة تجارية ويوجد منتجين لديهم المال اللازم لإنتاج الأفلام بشكل مباشر دون البحث عن تمويل، ويحققون أرباحهم من صناعة السينما. ولكن لماذا لا يوجد الكثير من المنتجين المبدعين فى الوطن العربي؟ العقلية بدأت تتغير حاليا والعدد يزداد والسينما تتطور فى أنحاء الوطن العربي، فلن يكون هناك بديل لوجود المنتج المبدع لأن الكثير من الأفلام حاليا يتم إنتاجها بهذه الطريقة، وعلى مستوى الجمهور وتقبله لهذه النوعية من الأفلام أستطيع أن أتحدث عن تجربتنا فى تونس فالجمهور يحب الأفلام وعاد إلى صالات العرض ويشاهد كل الأنواع، الهدف من السينما بالنسبة لى ليس جمع المال، أصنع الأفلام التى تعجبنى والموضوعات التى تثيرني، فصحيح أن السينما لا تغير العالم لكنها تحث الناس على التفكير وهذا ما يهمني، لابد أن تكون سينما جيدة وتدفعك للتفكير وتقدم صورة سينمائية متميزة وشخصيات قوية فى الفيلم. هل فيلم «سعاد» للمخرجة آيتن أمين أول فيلم من إنتاجك فى مصر؟ نعم أشارك فى الإنتاج مع محمد حفظى ومارك لطفي، وهى ليست المرة الأولى التى أعمل فيها مع أحد المخرجين المصريين فكثيرا ما كنت أعاون بعض المخرجين الشباب فى أعمالهم وتطوير السيناريو مثل نادين خان، لكنها المرة الأولى التى أشارك فيها فى الإنتاج. وما الذى جذبك للمشاركة فى إنتاج الفيلم؟ المعالجة وموضوع الفيلم جيد جدا والسيناريو قوى جدا، فآيتن لديها نظرة سينمائية ورؤية عن العالم والسينما تعجبنى كثيرا، وأحب أيضا المخرج محمد حماد الذى قدم فيلم «أخضر يابس» وأقرأ حاليا سيناريو جديدا له أعجبنى كثيرا وربما يكون ثانى إنتاج مشترك لى فى مصر. ما الذى تفضلينه أكثر أن يكون العرض الأول لفيلم من إنتاجك فى أحد المهرجانات العالمية الكبرى أم فى مهرجان عربى كبير مثل قرطاج أو القاهرة أو دبي؟ الأفضل لحياة الفيلم أن يكون عرضه العالمى الأول فى مهرجان من المهرجانات الكبرى مثل كان أو برلين أو فينسيا، لأن الفيلم يحظى باهتمام أكبر عندما يعرض فى الخارج ومن خلال أحد هذه المهرجانات، المحلية لا تمنحه الكثير، العرض الخارجى يركز عليه الأضواء حتى داخل البلاد وهو أمر غير قابل للشك. هل تضعين خطة عمل مع كل فيلم لتحديد الخطوات التى يحتاج إليها فى الإنتاج والتوزيع؟ لا توجد خطة، فهو شغف، على سبيل المثال فيلم آيتن أعجبتنى الفكرة وعملنا معا على تطوير السيناريو وهو سيناريو جيد، ثم نسير خطوة خطوة، ونرى ما سيحدث معنا، مثل الطفل نسير معه خطوة خطوة حتى ينمو. ما رأيك فى تصنيف البعض لأفلام بعض المخرجين الشباب على أنها بعيدة عن الجمهور؟ هذا يحدث كثيرا، ولكن فى النهاية من أكثر الأفلام التى تظل راسخة فى تاريخ السينما هى هذه النوعية من الأفلام الفنية التى تنتمى لسينما المؤلف، فهناك أصناف متعددة من الأفلام فى السينما ولدينا أيضا الكثير من المخرجين المجتهدين مثل حماد وغيره الذين يحاولون تقديم نوعية مختلفة عن الأفلام التجارية السائدة، الجمهور اعتاد على الدراما التليفزيونية الفقيرة ذات الخط الدرامى الواحد وتسلسل الأحداث، ولهذا يحتاج لبعض الوقت لاستيعاب هذه النوعية من الأفلام التى تدفعه للتفكير لكن الجمهور يزداد تدريجيا وهو أمر يحدث فى العالم كله وليس فى الوطن العربى فقط، وفى مهرجان منارات نحاول جذب الجمهور بتقديم عروض أفلام مجانية على الشواطئ ونمزج فيها بين الأفلام الترفيهية والأفلام التى تحس على التفكير حتى يعتاد عليها الجمهور، وعلى العكس لا أرى هذه الأفلام بعيدة عن الجمهور وإنما هى أقرب للواقع مما يعرض على شاشات التليفزيون وتتعمق فى المجتمع، كبار المخرجين العرب على مدار تاريخ السينما واجهوا انتقادات من هذا النوع وابسط مثال على هذا المخرج الراحل يوسف شاهين. من صاحب فكرة مهرجان منارات وما الهدف منه؟ هى فكرة شيراز العتيرى ومركز السينما والصورة بالتعاون مع المركز الفرنسي، وشاركت معهم فى تأسيسه، فنحن مثل مصر نمتلك ثروة ثقافية كبيرة لأننا عرب وأفارقة وفى الوقت نفسه من دول البحر الأبيض المتوسط، الذى تحول مؤخرا لما يشبه الجبانة بسبب ارتفاع نسبة الهجرات غير الشرعية من المغرب العربي، لهذا أردنا أن نقدم صورة أخرى للبحر الأبيض المتوسط نابعة من الفن والثقافة، وتقام عروض أفلام المهرجان على الشواطئ فى 10 مدن تونسية ساحلية، ويشارك فيه أفل من كل دول البحر الأبيض.