«حملة لإزالة تشوهات الإعلانات التى تطمس هوية المبانى التراثية، أو تشوهها وتحجب رؤيتها».. عنوان كبير تسبب فى فرحة للكثيرين، ممن يتمنون أن تزيد الدولة من إجراءاتها التى تهدف للخلاص من كابوس يزعج ملايين المصريين، وتكفى زيارة سريعة للمناطق التراثية والأثرية، أو حتى مرور سريع حولها، لرصد التعديات السافرة التى تشهدها المبانى التراثية من إعلانات ضخمة بأنوار مزعجة، تطغى على المبنى أو تخفيه أو تشوهه. وتبقى الجدية والحزم فى تطبيق القانون كلمة السر فى نجاح هذه الحملة، وإنقاذ المبانى التراثية من فوضى الإعلانات التى طغت حتى على رؤية المبنى نفسه من عدمه. يطالب بها أساتذة الفنون الجميلة وقفة ضد القبح انتقدت الدكتورة فيروز سمير، الأستاذ بكلية الفنون الجميلة بالزمالك، فوضى الإعلانات الضخمة فى كل مكان، خاصة مناطق مثل وسط البلد والحسين، وغيرها من المناطق التى تحوى مبانى تراثية وأثرية يجب الحفاظ عليها من تشويه الإعلانات، التى تسبب صدمات للأعين بحجمها الكبير وأنوارها القوية، مما يحجب جمال المبنى التراثى خلفها، مشيرة إلى أن العين دائما تذهب للنور المبهر فى الإعلان، الأمر الذى يشوه المكان ويمثل خطورة على قائدى السيارات على الطرق حيث يتسبب فى زيادة نسبة الحوادث. وتشير إلى احتواء الإعلان أحيانا على جمل وعبارات «فجة» فى أماكن تراثية وسياحية لا يجب أن توجد فيها مثل هذه الجمل، مؤكدة أن كل تلك الفوضى الإعلانية فى المناطق التراثية لا توجد فى بلدان كثيرة فى العالم، قائلة: «فى كل دول العالم، مثل إيطاليا، هناك طريقة لكتابة الإعلان مختلفة تماما عما يحدث فى مصر، خاصة فى المناطق التراثية والأثرية، حيث يحوى الإعلان جملا قصيرة، قد تكون جملة واحدة، وحتى المحلات المتواجدة فى هذه المناطق لا تقوم بالإعلان عن نفسها أمام هذه المناطق، ولا توجد حتى علامة إعلانية واحدة تشوه المبنى التراثى، فالأساس فى هذه الدول الحفاظ على المبانى بطابعها التراثى والتاريخى. وأضافت أن التشوهات لا تقف عند هذه الحدود، بل يجب أن يشمل الحفاظ على المبانى التراثية من تشوهات البناء حولها، حيث يجب أن تكون هناك مراعاة لطبيعة المبنى التراثى والمنطقة التاريخية، ويتطلب هذا الأمر وقفة جماعية ضد القبح، مطالبة مسئولى الجهاز القومى للتنسيق الحضارى بقيادة هذه الوقفة وأن يكون للجهاز دور وقوة وتفعيل لقراراته بحيث يكون له تأثير أكبر. من جانبه يؤكد الدكتور رمضان عبد المعتمد، الأستاذ بكلية الفنون الجميلة بالأقصر، أنه لكى نحافظ على التراث والطابع المعمارى للمبانى لدينا لا بد أن تكون هناك معايير واضحة وضوابط تنظم كل شيء حول هذه المبانى، ومنها الإعلانات، قائلا: «هناك إعلانات لا يجب أن تكون موجودة فى الأماكن التراثية من الأساس». وأضاف: «فى مصر هناك عشوائية غالبة على هذا الأمر، ولكى ننظم ذلك يجب أن نقتدى بالدول المتحضرة المحافظة على تراثها ومبانيها ومناطقها التاريخية، وهنا لا بد من دور للجهاز القومى للتنسيق الحضارى بالتعاون مع المحليات فى المحافظات المختلفة لوضع ضوابط للإعلانات والأبراج التى تحمل الإعلانات، والاستعانة بفنانين ومصممين وتشكيليين فى وضع خطة وإستراتيجية يتم تنفيذها فورا»، مؤكدا ضرورة أن يكون هناك مشاركة مجتمعية يتم استنهاضها من خلال حملات توعية يقوم بها الفنانون وتنتشر فى كل المحافظات. وشدد على أنه لا يوجد ما يمنع وجود الإعلانات فى المناطق التراثية بشرط ألا تطغى على ذاكرة المبنى التراثى أو طابعه المعمارى وبصمته التاريخية وبحيث يكون متوائمًا مع المكان ولا يشوهه أو يحجب رؤيته. أبو سعدة: غالبية المخالفات فى القاهرة والجيزة أكد المهندس محمد أبو سعدة، رئيس جهاز التنسيق الحضارى، أن هناك تعاونًا كبيرًا مع محافظة القاهرة التى قامت بحملة على الإعلانات المخالفة فى الأحياء مثل الأزبكية وعابدين ووسط البلد، وتم خلال هذه الحملات إزالة أكثر من 300 إعلان مخالف، مشيرا إلى أن الحجم الأكبر من مخالفات الإعلانات فى القاهرة والجيزة، ويتم التركيز فى الفترة الحالية على المبانى ذات القيمة للحفاظ عليها من الإعلانات والمخالفات التى تشوهها وتؤثر على شكلها التاريخى، كما يحدث من مجهود كبير فى حى مصر الجديدة حاليا. وحول ضوابط وضع الإعلانات ومحتواها واشتراطاتها أشار «أبو سعدة» إلى أن الجهاز وضع اشتراطات وضوابط لوضع «اليفط» والإعلانات فى الفراغات العامة، وهناك تنسيق مع المحافظات للالتزام بالأسس والمعايير المحددة لوضع «اليفط» وارتفاعها، والمسافات المحددة بينها وما هو مسموح به، مؤكدا أنه غير مسموح بوضع الإعلانات فى المبانى التراثية أو أعلاها. وفيما يتعلق بمحتوى الإعلان وما تم انتقاده من وجود جمل أو عبارات لا تليق داخله، فى مناطق سياحية مهمة، أكد أن محتوى الإعلان من لغة ومفردات جزء من الإعلان، مشيرا إلى أن الأولوية فى الإعلانات على الطرق لليفط والعلامات الإرشادية للطرق، التى تيسر سير قادة المركبات وترشدهم على الطريق، قائلا: «هذه أولوية أولى، فلا يصح وضع إعلانات تطغى على هذه الإرشادات التى تدل السائقين أو تجعلهم لا يرونها». وأشار إلى أن الجهاز جهة فنية وليست تنفيذية، ودوره فى عمليات إزالة مخالفات الإعلانات تنسيقى مع المحافظات ويكون التنفيذ مسئولية الأحياء، مؤكدا أننا بحاجة إلى ضوابط للتعامل مع المخالفات المشوهة للصورة الحضارية للشوارع، وأن هذا الأمر يجب أن يخضع لدراسات تحقق الجمال فى الشوارع والمناطق التراثية. وطالب أبو سعدة بضرورة رفع الوعى لدى المواطنين وتعريفهم بقيمة المبانى التراثية والحضارية وأهمية الحفاظ عليها، مشددا على أن رفع الوعى من شأنه أن يقلل من حجم التعديات والتشوهات، فضلا عن أن إشراك المواطنين فى عملية التطوير سيساهم أيضا فى الحفاظ على المبانى التراثية وذات القيمة التاريخية. د.سهير حواس: احترام القانون والالتزام بالمعايير ضرورة حتمية قالت الدكتورة سهير حواس، أستاذ العمارة: إن احترام القانون هو كلمة السر فى الأمر، خاصة من الجهات الرسمية، حيث إن الإعلانات انتشرت بشكل كبير حاليا سواء على الطرق والكبارى وفى مطالع الكبارى والطرق السريعة وحول المبانى وغيرها، مؤكدة أنها بعيدة تماما عن كل الأسس الفنية ومخالفة، ومطلوب التطبيق الصحيح للاشتراطات والضوابط ففضلا عن كونها مشوهة، فوجودها بالأساس خطير؛ حيث تهدد حياة الكثيرين من يستخدمون الطرق، وتشوش على قادة السيارات بأحجامها الضخمة وألوانها المضيئة وقربها من بعضها، دون مراعاة لترك مسافات بينها مما يأخذ النظر من السائقين ويتسبب فى حدوث حوادث كثيرة. وأضافت: المفروض ألا يحجب الإعلان المبنى التراثى أو يشوهه أو يخفى جماله، إلا أن طريق المطار مثال صارخ على وجود الكثير من الإعلانات التى تخفى معالم المبانى والفيلات التراثية الكثيرة بجانبه، متسائلة: كيف يتم ذلك؟ وهل نحن بلد قانون أم نتزين بالقانون؟ فيجب تطبيق القانون الذى تم وضعه لتنظيم كل هذا الأمر والقضاء على الفوضى والتشوهات الموجودة. وتابعت: شاركت فى وضع الأسس الفنية لكل ما يتم وضعه فى الفراغ العام، ومنها الإعلانات، خلال عملى فى الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، وأتساءل: من الذى يسمح بوجود إعلان مخالف؟ مؤكدة أن الجهاز ليست لديه سلطة للمنع أو الإزالة فهذه سلطة الجهات التنفيذية، لكن الجهاز هو من يحدد أن هذا الإعلان مخالف أم لا، وما يجب أن يوضع وأين. وطالبت بضرورة احترام القانون والأسس الفنية الصحيحة والضوابط الموضوعة بشكل علمى، والتى تحدد كل ما يتعلق بالإعلان وحجمه والمسافة بين كل إعلان وآخر، مع الأخذ فى الاعتبار عرض الشارع والطريق على جانبيه، مؤكدة أن احترام القانون والالتزام بالأسس والمعايير سينظم الأمر ويقضى على هذه الفوضى الكبيرة. وأشارت إلى أن جهاز التنسيق الحضارى بذل جهودا ضخمة فى تطوير العديد من العقارات التراثية بمنطقة وسط البلد والقاهرة التاريخية بالتعاون مع الأحياء، لافتة إلى أنه فور الانتهاء من ترميم المبانى التراثية يتم تخصيص أماكن لوضع اللافتات الدعائية والإعلانات بما يتناسب مع قيمة المبنى التراثى إلا أنه لم يتم الالتزام به. د.سمرات حافظ: مطلوب قرارات وزارية والتنسيق مع الآثاروالمحليات أكد الدكتور سمرات حافظ، الرئيس السابق لقطاع الآثار الإسلامية، أن الأمر يجب أن يمتد لإزالة جميع التشوهات حول المبانى التراثية، فهناك شروط ومواصفات لكل ما يحيط بالمبنى يجب تطبيقها، مشيرا إلى أن الآثار تمنع أى إعلانات مخالفة طبقا لقانون حماية الآثار ويجب التنسيق مع المحليات والآثار والتنسيق الحضارى فى هذا الأمر لتطبيق الاشتراطات والأسس والمعايير السليمة للحفاظ على المبانى التراثية والتاريخية. وأكد أن هذا الأمر يجب أن يصدر به قرارات وزارية تتضمن الضوابط والأشكال والشروط دون الانتظار لإصدار قانون قد يأخذ وقتا طويلا، لسرعة القضاء على تشوهات المخالفات سواء فى المبانى أو الإعلانات.