ويبقي الإنجاز هو اللغة الوحيدة والصادقة لتفاعل المواطن مع المسئولين, والرقم الصعب الذي لا يمكن تكذيبه. ينطبق هذا علي الملحمة الإنسانية التي تدور رحاها علي شريان ترعة المحمودية, ليتم تحويله من مجري مائي تحول لمقلب قمامة وبؤرة للإجرام وأصبح عنوانا للقبح, إلي منفذ حضاري ومشروع يعد نقلة حضارية ليس لمنطقة غرب الإسكندرية فقط, بل لمعظم أحياء المحافظة, وليكون نهاية للتعديات علي أملاك الدولة, ورادعا لكل من تسول نفسه التلاعب بالقانون. ومحور المحمودية هو أحد المشروعات الضخمة التي تهدف للنهوض بتنمية المواطن من خلال فعل الإنجاز, بلا جعجعة ولا طنطنة لا تسمن ولا تغني من جوع. من أول زيارة لمحور المحمودية تستطيع أن تلمس فيها عودة الروح لأهالي منظقة غرب الإسكندرية التي تبدأ من كرموز مرورا بالحضرة الجديدة والنزهة وحتي مشارف محافظة البحيرة. محور المحمودية ليس ترعة كان لها تاريخ غابر يحكي عنه الأهالي ويتذكره كبار السن بالمراكب التي كانت تعبرها ذهابا وإيابا, وبالشاطئ الذي كان متنزها وبديلا عن شاطئ البحر, وكانت متنفسا ورئة وحضارية لأهالي المنطقة,حتي أصابتها لعنة العشوائيات والتعديات, وسيطرعليها أعداء الجمال في غيبة من الرقابة والمتابعة. ما جري لترعة المحمودية لا يوصف إلا بأنه جريمة في حق المجتمع, جريمة تحويل شريان مائي وجمالي إلي بؤرة من التلوث والقبح.. حتي كانت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلي مكتبة الإسكندرية العام الماضي, وتم طرح المشروع أمامه ليعطي أوامره بالانطلاق للدراسة والتنفيذ الفوري. ويأتي تطوير محورالمحمودية كشريان للتنمية بمحافظة الإسكندرية وربطها بمحافظات الدلتا ببوابة مرورية هي الأفضل والأوسع في تاريخ المنطقة, وينتظر أن يكون افتتاحها جاهزا قبل نهاية هذا العام. ولهذا جاءت زيارتنا للمنطقة حتي نري علي أرض الواقع ملحمة الإنجازات التي تتحدث بالأرقام والأفعال التي سردها د. عبدالعزيز قنصوة محافظ الإسكندرية: محور المحمودية يبلغ طوله23 كيلو مترا وتبلغ تكلفة إنجازه أكثر من5 مليارات جنيه, ويتم تسليمه قبل نهاية هذا العام, ويعمل به450 معدة, وينقسم المحور إلي ثلاثة قطاعات, وسيتم إقامة ستة كباري ضخمة لخدمة كل المحاور الفرعية لعبور السيارات, فضلا عن إنشاء منطقة تجارية للمشروعات الصغيرة علي جانبي المحور. ويضيف محافظ الإسكندرية: وستتم إقامة محور مروري بداية من حدود الإسكندرية بمحازاة مخرج ترعة راكتا شرقا, وحتي المصب بمنطقة الدخيلة, بعد ردم وتغطية المجري المائي لترعة المحمودية من خلال خطوط مواسير مدفونة بتقنية عالية. ويتراوح عدد حارات المحور الجديد بين ست وثماني حارات في كل اتجاه, وسيتم ربط المحور بنحو25 محورا فرعيا في نطاقات الإسكندرية المختلفة, وسيخدم المحور أربعة أحياء ذات كثافة سكانية عالية, وهي أحياء منتزه أول وشرق ووسط وغرب الإسكندرية, علاوة علي خدمة باقي الأحياء من خلال المحاور الفرعية. ويؤكد المحافظ أن محور المحمودية سيمثل نقلة حضارية وخدمية لم يسبق لها مثيل في الإسكندرية, لطول المحور الذي يمتد لخدمة منطقة عمرانية كبيرة تبدأ من منطقة العوايد وحتي الحدود الإدارية لمحافظة البحيرة. ومنذ أن وطأت أقدامنا موقع العمل بالمحور, لفت انتباهنا عدد المعدات العاملة في المشروع, والمئات من العمال المنتشرين علي مساحات واسعة بطول عدد من الكيلو مترات, وننتقل من موقع لموقع ومن نقطة لأخري والعمل علي قدم وساق لنري الحفر والتطهير والردم وترسية المواسير الضخمة وتغطيتها بالخرسانة, وكل هذا يتم تحت الأرض في عمق الترعة القديمة, وأما علي سطح الترعة فيتم عمل المجسات والقياسات التي يقوم بها العمال والفنيون في كل مكان. وإذا ما نظرت إلي مستوي ما فوق سطح الأرض نجد العمال والحدادين والنجارين يؤسسون لإنشاء العديد من الجسور والقناطر الحديدية العلوية في أكثر من نقطة وأكثر من مكان, وكل هذا يعمل في الوقت نفسه مع حركة البلدوزرات والكراكات والجرارات التي تصعد وتهبط تحفر وتردم وتمهد المكان. إنها خلية نحل أبطالها المهندسون والعمال والفنيون. بدأنا جولتنا من منطقة كرموز, حيث يبدأ العمل في محور الإسكندرية, ورأينا علي أرض الواقع الجهد الذي بذلته الأجهزة التنفيذية والهيئة الهندسية خلال الشهور القليلة الماضية من إزالة للتعديات, ومن تحييد سيارات وكالة الخضار والفاكهة الموجودة بالمنطقة, لكي تسير الأمور وتعمل دون أن تؤثر علي كفاءة العمل بالمحور, حيث يتم حفر وترسية المواسير وتغطيتها داخل مجري الترعة. وخلال لقائنا مع عدد من الأهالي علي طول عدة أميال من الترعة كانت السمة الغالبة هي التفاؤل بالمستقبل المقبل مع إنشاء المحور الجديد. يقول محمد إبراهيم أبوسلمي من أهالي منطقة كرموز: كانت الترعة منذ أكثر من ثلاثين عاما مكانا للبهجة حيث المياه والخضرة والشكل الحسن وكانت المراكب النيلية تعبر القناة جيئة وذهابا, وكان الأهالي يخرجون للتنزه علي الترعة, ولكن منذ وقت غير بعيد تغير حال الترعة التي كانت تروي عشرات الآلاف من الأطيان الزراعية, وتحولت بسبب الإهمال إلي مشكلة أقرب للكارثة وعبء كبير نتيجة التعديات الكثيرة, وأصبحت بؤرة للتلوث, وبعد أن كانت مصدرا للحياة, باتت سببا للأمراض والعدوي, وكثرت من حولها التعديات التي نتج عنها الكثير من أعمال البلطجة والسرقات التي تعددت في المنطقة. ويقول سامي محمد علي: إن تجميل المنطقة وتحويلها لمحور مروري هو نقلة حضارية ليس للمنطقة وحدها بل لكل أحياء الإسكندرية, لأنه كما علمنا أن المحور سيتفرع عنه عشرات المحاور الصغيرة التي ستعمل علي امتصاص حركة المرور والزحام من داخل الإسكندرية, فضلا عن أنه سيتم إنشاء عدد من الأسواق والمناطق التجارية علي جانبي المحور. أما حسين رافع محمد فيقول: لن أستطيع وصف حالة التفاؤل التي سيطرت علي سكان الحضرة الجديدة عندما علموا بمخطط المحور, شعرنا أن المحور سينتشلنا جميعا من حالة الضياع التي سيطرت علينا نتيجة الوضع المتردي لحال ترعة المحمودية, حتي فقدنا الأمل في مستقبل نظيف نتيجة انتشار القمامة والجريمة والتعديات, ثم فوجئنا ذات صباح بالمعدات تعمل وتغير من شكل المنطقة بالكامل, وتحول الترعة من مقلب للقمامة كبير تتجمع فيه القوارض والحيوانات الضالة والكلاب والقطط, وما نتج عنه من انتشار الأمراض نتيجة انتشار أسراب الناموس والذباب, فضلا عن انتشار ظاهرة البلطجة واللصوص والخارجين عن القانون, مما جعلنا نعيش رغما عن أنوفنا ونحن نري الجناة واللصوص يسرقوننا بالعلن وفي الخفاء ولا نستطيع عمل شيء لهم. ويضيف حسين قائلا: كانت ترعة المحمودية هي مأخذ مياه الشرب الرئيسي لعدة مناطق من محافظة الإسكندرية, ثم تحولت لمقلب قمامة ضخم, ما أثر علي درجة نقاء مياه الشرب, ولكن الآن تقوم الدولة بإنشاء شبكة مواسير مغطاة ستكون آمنة تماما مما يجعلنا آمنين علي حياتنا وصحة أولادنا. ويقول عامر عبدالقادر محمد, وهو يشير إلي تلال القمامة حول الترعة عند عزبة الصبحية والحضرة الجديدة: تصور أن كل هذه التلال كانت تعترض طريقنا صباحا ومساء, وكنا لا نحتمل روائحها وتعمي عيوننا بمناظرها القبيحة, وكانت تلال القمامة تمتد علي طول الترعة من أول كفر عسكر عشري وحتي حدود كفرالدوار بحيرة, والآن وبعد عذاب طويل استيقظنا من النوم لنري البلدوزرات والكراكات وهي تحفر وتردم, وكأنها تهيل أحزان سنوات من المعاناة, لنري معديات تهدم وتعديات تزال, ويقام مكانها كباري ومعديات للعبور لحين الانتهاء من العمل في المشروع, وفوق كل هذا لم يعد للقمامة مكان إلا في بعض المناطق ويتم رفعها كل عدة أيام. ويضيف عامر قائلا: التطور الجديد أننا بدأنا نري بين وقت وآخر زيارات للمسئولين التنفيذيين بمحافظة الإسكندرية يأتون إلينا ليطمئنوا علي سير العمل, وسيري أولادنا هذا الإنجاز الضخم الذي يتم ويكتمل أمام عيونهم فيزيدهم حبا لبلدهم ويزيدهم انتماء لها. ويقول حبشي محمد عبدالقادر علي المعاش, ما يحدث في محور المحمودية هو بمنزلة إنجاز ومعجزة, فمنذ عام واحد لو أخبرنا أي شخص مهما كان عما يحدث الآن من إنجازات لقلنا إنه ضرب من الأحلام, ولكن يبدو أن كثيرا من الأحلام أصبحت مع النوايا الطيبة تتحقق وتتحول لحقائق. ويضيف حبشي: كنت أعمل بهيئة الميناء ولما خرجت علي المعاش كان كل همي أن أجد لأبنائي مكانا آخر يعيشون فيه بعيدا عن ترعة المحمودية التي أصبحت لعنة علي كل من يقترب منها, الترعة التي شلتها التعديات وتجمعت من حولها بؤر الإجرام والبلطجة, ومعهم انتشرت غرز الإدمان كما انتشرت تجارة البرشام وأصبحت المنطقة واحدة من المناطق المشبوهة لدي الشرطة والنيابات لكثرة الحوادث التي تقع بها, وأصبحنا نعيش في بيوتنا مثل الأسري عاجزين عن فعل شيء, حتي ولو كان يهدد حياتنا.. ولهذا كانت فرحتنا كبيرة عندما رأينا البلدوزرات والكراكات تحفر وتزيل التعديات, حتي إن بعض الأهالي وزعوا الشربات علي العمال وفرق العمل في المشروع, ورأينا كيف اختفت تلال القمامة, وبدأ المسئولون يحدثوننا عن أهمية المحور, والتطوير الذي سيصاحب المشروع من توسعة كبيرة لحارات المحور تصل لست وثماني حارات في الاتجاه الواحد, والكباري الضخمة التي ستقام علي عدة محاور لتوزيع المرور في اتجاهات مختلفة للقضاء علي الكثافة المرورية في المناطق المجاورة, بل وفي الأحياء الأخري المجاورة, وحدثونا عن الخير القادم مع المحور وسينتج عنه مئات المشروعات والآلاف من فرص العمل التي ستغير وجه المنطقة من منطقة عشوائية لمنطقة حضارية, مما سيكون لكل هذا جلب الخير لأولادنا لينعموا بحياة طيبة. ويقول أيضا إن المحور سيعطي توسعة كبيرة لشارع أبوقير الموازي, وسيعطي توسعة أخري لشارع الكورنيش, ما سيؤدي لنظافة شوارع المنطقة. أما خالد حسين طالب فيشكو من سطوة صبية التكاتك والكارتات والسرقات التي تقع بشكل يومي في منطقة مطار النزهة, ويقول: آن الأوان لكي ينظر المسئولون لمشكلاتنا ويعملون علي حلها, وجاء الفرج الكبير مع محور المحمودية الذي سيقلب وجه المنطقة ويحولها من النقيض إلي النقيض. ويقول مينا فايق من سكان الرابعة الناصرية إن المحور سيغير شكل المنطقة وسيحييها من جديد بعد احتضار, كنا في يوم عيد ونحن نشهد إزالة التعديات وجرف تلال القمامة, وإزالة الكباري القديمة, وإقامة كباري مؤقتة للمشاه لحين الانتهاء من المشروع. وتعددت شكاوي الأهالي من المبالغة في سعر الأرض في مناطق المصانع ومطابع محرم بك وعزبة المطار, ويقول السكان: يجب عدم معاملتنا معاملة من تعدوا علي أراضي الدولة, فنحن قمنا بشراء الأرض وبنينا عليها من عشرات السنين, ومن أين سندفع كل هذه المبالغ, ومعظم السكان بلا عمل, وعلي الدولة أن تساعدنا لا أن تقوم بتعجيزنا ومعاقبتنا. ويقول مصطفي السيد طالب بكلية هندسة الإسكندرية: إن التطوير الذي تقوم به الدولة علي ترعة المحمودية خطوة علي الطريق الصحيح للنهوض بتطوير المنطقة والعمل علي تنمية سكانها, والمشروع سيعمل علي إنهاء مشكلة القمامة والازدحام المروري في المنطقة وسيكون بمنزلة تطوير حضاري ينتشل الأهالي من المستنقع ليطفو بهم لمستوي الحياة الكريمة. ويضيف مصطفي قائلا: لن تصدق أن تلال القمامة بالمنطقة, لم تكن مرتعا للحيوانات الضالة ومكانا لانتشار البلطجة واللصوص فقط, بل الكارثة أنها كانت مأوي للأطفال الصغار يلهون ويلعبون وسط القاذورات ويعبثون بها مما يعرضهم للخطر الكبير, فضلا عن انتشار بؤر لمخدرات والإدمان, وكل هذا بعيدا عن الرقابة وعيون البوليس. أما كارم محمود سليمان بالمعاش فيقول: كانت ترعة المحمودية هي المتنفس الوحيد لأهالي المنطقة, وكنا ننزل لنسبح فيها أو نجلس علي شاطئيها بدلا من الذهاب للبحر, وكانت قديما منطقة حضارية تعج بالجمال وتبدو نظيفة ومياهها صافية, ولكنها تحولت لبؤرة تلوث وجبال من القمامة والقاذورات, وانتشرت بها البؤر الإجرامية التي تهدد الأمن والسلام بين السكان. ويضيف: ولن يعود ذلك الزمان ولن يعود الماضي ولن أري مياه ترعة المحمودية صافية رقراقة من جديد, ولكن سأري منطقة حضارية ونظيفة تليق بسكانها من جديد.