احترفت البغاء,كلما أرادت التوبة لم تستكمل طريقها وخارت عزيمتها,وجدت نفسها يوما في منطقة مهجورة أمام كلب يلهث عطشا في حر قائظ, قالت لنفسها لقد أدركه الذي أدركني,بحثت عن الماء فوجدت بئرا ولكنها لم تجد شيئا تسقيه بها سوي حذائها فلم تتردد في خلعه,وغامرت بنفسها ونزلت البئر وسقت به الكلب,الذي هز ذيله عرفانا وامتنانا. نظر الله العليم الحكيم الرحيم إلي صنيع هذه المرأة المحبة لخلقه,الرحمة حركتها من أجل حيوان لن يرد جميلها,ولن يحكي للناس صنيعها وإخلاصها ففعلت ذلك في مكان لا يراها فيه غير الله المطلع علي السر وأخفي. الحب لخلق الله جميعا حتي للحيوانات منها كان باعثا علي ما فعلت فأضاء قلبها وبدد ظلمات المعصية والبغاء التي رانت علي قلبها. لولا أن هذه المرأة في قلبها فيض من الحب يكفي الجميع ما نالت شرف أن يقول عنها الرسول الكريمفشكر الله لها وغفر لهالم يشكرها أحد فشكرها الله من فوق سبع سموات,لم يذكر فضلها أحد, فذكرها رسول اللهصلي الله عليه وسلملأمته والعالمين. غفران الله ليس مسألة حسابية كما يتصور البعض,فعلت مائة طاعة فحصلت علي مائة حسنة,الله لا يتعامل مع عباده بالآلة الحاسبة ولا بالحسابات الضيقة,ولكن برحمته الواسعةورحمتي وسعت كل شيء. امرأة أخري قلبها فظ غليظ لا يعرف الرحمة,ظاهرها العبادة وباطنها الكراهية,حبست هرة لم تطعمها أو تتركها تأكل من خشاش الأرض,لم تطعمها في سجنها فدخلت النار,اطلع الله علي سواد قلبها فلم تنفعها صلاة ولا صيام,هذه آذت قطة وحرمتها في سجنها من الطعام والشراب. الأولي امتلأ قلبها بالحب فسقت الكلب,والثانية امتلأ قلبها بالكراهية فسجنت هرة,وهذه ثالثة كانت تصلي وتصوم ولكنها كانت تؤذي جيرانها بكل ألوان الأذي تارة بالشتم والسب والتعريض والفحش,وتارة بالأذي المادي,فلما سئل عنها رسول الحب والرحمة قالهي في النارلو كانت تحبهم ما آذتهم,ولكن جذوة الكراهية اشتعلت في قلبها للناس جميعا فكرهت خيرهم,وأحبت عنتهم,ولم تتركهم في حالهم بل سعت إلي آذاهم والتنكيل بهم. الحب والرحمة وإرادة الخير للناس حتي وإن جحدوا الرسالات هي التي جعلت نبي الله شعيب يقول لقومه الذين لم يؤمنوا بعدإني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيطوأن يعتبر كل نبي قومه إخوة له وإن جحدوه وآذوهوإلي عاد أخاهم هوداوإلي ثمود أخاهم صالحاوالحب هو الذي جعل السجاد زين العابدين بن علي يدعو للناس جميعا حتي الذين قتلوا أباه الحسين في كربلاء. والحب هو الذي حدا بأبي بكر الصديق أن يقولوددت أني شجرة تعضد وأن الخلق جميعا أطاعوا ربهميريد نجاتهم حتي لو هلك في ذات الله. والحب هو الذي جعل سعيد النورسي علامة تركيا يقول لأحد تلاميذهوالله يا بني,وددت أن يطيع الخلائق ربهم حتي لو دخلت النار مكانهم. والحب هو الذي جعل الرسولصلي الله عليه وسلميشير إلي رجل بسيط أنه من أهل الجنة,فلم يجد له الصحابة عبادة أو صيام أو صلاة تفوق الآخرين,فلما سألوه عن سره قال: ليس لي كثير صلاة ولا صيام غير أني أبيت دون أن أحمل غلا أو ضغينة لأحد. وتتلخص رسالة المسيح عليه السلام في كلمة الله محبة أما رسالة محمد صلي الله عليه وسلم فتتلخص في قولهلن تؤمنوا حتي تحابوا. وقد أعجبني أحد أصدقائي من خطباء الأوقاف الذي كتب عنوانا لصفحته علي الواتسالرسول قدوتي والحب مذهبيوقد عزمت أن يكون عنوان حياتي القادمة الرسل قدوتي والحب مذهبيلأن الرسول عليه الصلاة والسلام من أعظم الرسل دعوة للمحبة والتسامح,سلام علي رسل الله صناع المحبة ومروجيها في العالمين, سلام علي المحبين في كل مكان,وغفرانك ربنا للكارهين.