كيف تصبح السنة النبوية عملا روحيا يسهم في تحقيق التقدم الروحي للإنسان؟ قدمنا الأسبوع الماضي سببا مهما من أسباب التمسك بالسنة كما يري محمد أسد, وهو تمرين الإنسان بطريقة منظمة علي أن يحيا دائما في حال من الوعي الداخلي واليقظة الشديدة وضبط النفس. وفي مقال اليوم نضيف سببين آخرين: أولهما: هو الأهمية الاجتماعية والنفع الاجتماعي; فيكاد لا يكون هناك ريب في أن أكثر المنازعات الاجتماعية ترجع إلي سوء فهم بعض الناس لأغراض بعضهم الآخر ولمقاصده; وسبب سوء الفهم هذا اختلاف الأمزجة والميول في أفراد البيئة الاجتماعية اختلافا كبيرا; فإن الأمزجة المختلفة تحمل الناس علي عادات مختلفة, وهذه العادات المختلفة إذا تبلورت بالمراس سنين طوالا أصبحت حواجز بين الأفراد. ولكن إذا اتفق علي عكس ذلك, أن نفرا اتخذوا في حياتهم كلها عادات معينة, ترجح أن تقوم صلاتهم المتبادلة علي التعاطف, وأن يكون في عقولهم استعداد للتفاهم. من أجل ذلك جعل الإسلام وهو الحريص علي خير الناس الاجتماعي والفردي من النقاط الجوهرية أن يحمل بنفسه أفراد البيئة الاجتماعية, بطريقة منظمة علي أن تكون عاداتهم وطباعهم مماثلة مهما كانت أحوالهم الاجتماعية والاقتصادية متنافرة. ثانيهما: استحضار القوة الروحية; ففي هذا النظام من العمل بالسنة يكون كل شيء في حياتنا اليومية مبنيا علي الاقتداء بما فعله الرسول صلي الله عليه وسلم وهكذا نكون دائما إذا فعلنا أو تركنا ذلك مجبرين علي أن نفكر بأعمال الرسول صلي الله عليه وسلم وأقواله المماثلة لأعمالنا هذه. وعلي هذا تصبح شخصية أعظم رجل متغلغلة إلي حد بعيد في منهاج حياتنا اليومية نفسه, ويكون نفوذه الروحي قد أصبح العامل الحقيقي الذي يعتادنا طول الحياة. ذلك يقودنا عن وعي منا أو عن غير وعي إلي أن ندرس موقف النبي صلي الله عليه وسلم في كل أمر; فحينئذ نتعلم أن ننظر إليه لا علي أنه صاحب وحي أدبي فقط, بل علي أنه الهادي إلي الحياة الكاملة أيضا. وقد يري بعض الناس أن التمسك بالسنة في هذه الأمور هو لون من التشدد الذي لا يوجد ما يبرره, وحجر علي عقل الإنسان وإرادته في اختيار الأسلوب الذي يناسبه في طعامه وشرابه, وما فائدة الحرص علي الأكل أو الشرب باليمين ؟! هكذا يقولون ولماذا لا تستخدم اليد الأكل, وبخاصة أن الطريقة العصرية في تناول الطعام تقوم علي استعمال كلتا اليدين, إحداهما تمسك بالسكين والأخري تمسك بالشوكة ؟!