يا عجبا! لمن يعصي المحسن بعد معرفته بإحسانه, ويطيع اللعين بعد معرفته بطغيانه, ولماذا تدعو الله ولا يستجيب لك, وكذلك تذكره ولا يهرب الشيطان منك, أتدري لماذا؟ هذا لأنك فقدت شروط الدعاء والذكر, وأصبح قلبك في غفلة عن الله, فقد عرفت الله ولكنك لم تؤد حقه كما أمرك, وزعمت أنك تحب الرسول صلي الله عليه وسلم ومع ذلك فقد تركت سنته, ومع أنك تقرأ القرأن كثيرا, إلا أنك لم تعمل به, وكثرت عليك نعم الله ولم تؤد شكر نعمة واحدة, ثم قلت إن الشيطان عدوك ولكنك أطعته في كل شيء, فكيف تريد أن يستجب الله دعاءك وأنت في غفلة عنه. ولكن تري ما هو ما يؤاخذ به العبد من وساوس القلوب وهمها وخواطرها, وما هو القدر المعفو عنه ولا يؤاخذ به؟ إن الشيء المعفو عنه هو حديث النفس, كما قال النبي صلي الله عليه وسلم( عفا الله عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تقل أو تعمل), وقد قال سبحانه في الحديث القدسي للحفظة( إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها, فإن عملها فاكتبوها سيئة, وإذا هم بحسنة لم يعملها فاكتبوها حسنة, فإن عملها فاكتبوها عشرا). وهو دليل علي العفو عن عمل القلب وهمه بالسيئة, أما ما يدل علي المؤاخذة قوله تعالي:( إن تبدو ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن شاء ويعذب من يشاء). بل أكثر من ذلك أن الله تعالي قد أخبرنا أنه سيسألنا عن أسماعنا وأبصارنا وكذلك عمل الفؤاد فهو غير معفي عنه كما قال سبحانه( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا), فلو وقع البصر بغير اختيار علي غير ذي محرم لم يؤاخذ به العبد, فإن اتبعها نظرة ثانية كان مؤاخذا بها, لأنه هنا مختار, والقلب سريع التقلب إذا أصابه شيء يتأثر به, فإن نزل به الشيطان فدعاه إلي الهوي نزل به ملك وجذبه إليه, فمرة يكون متنازعا بين ملكين, ومرة بين شيطانين, ومرة بين ملك وشيطان, فالإنسان دائما قلبه متقلب ومتغير أحواله كما قال سبحانه ونقلب أفئدتهم وأبصارهم), ولمعرفة عجيب صنع الله في عجائب هذا القلب الغامض وتقلبه, كان النبي صلي الله عليه وسلم يحلف به ويقول( لا ومقلب القلوب). والقلوب في الثبات علي الخير والشر أو التردد بينهما علي ثلاثة أنواع, قلب عمران بالتقوي, فهو مطهر عن الأخلاق المذمومة, فهو قلب طيب في جوهره, طاهر, تقي, نقي, فهو قلب لا يلتفت إلي مكايد الشيطان, وقلب مخذول مشحون بالهوي, فهو مليء بالأخلاق المذمومة, هو قلب مفتوح فيه أبواب للشياطين, هذا القلب يسير وراء أهوائه, وقلب متردد بين خواطر الهوي والإيمان فتارة تنبعث النفس بشهوتها لنصرة خاطر الشر فتقوي الشهوة, فينبعث العقل إلي خاطر الخير ينهر هذه النفس.