لقد أرسل الله تعالي إلي الكفار رسولا منهم فقال جل في علاه( إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم) حتي لا يكذبوه, فهم يعرفونه حق المعرفة, وحين ابلغهم الرسول صلي الله عليه وسلم عن منهج الله كذبوه وأذوه وتآمروا عليه, فكشف الله لرسوله مكر قريش وأخرجه من مكة مهاجرا إلي المدينة ليوضح الله لقريش أنه سبحانه خير ماكرا علي مكرهم الذي توعدوه للرسول, فقد قال تعالي( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين( وانطلق النبي ومعه أبو بكر الصديق إلي المدينة في رحلة طويلة, فلما وصل النبي إلي المدينة بدأ بوضع دعائم المجتمع الجديد, فشرع علي الفور في وضع أسس الدولة الإسلامية, لأن الرسالة الإسلامية من حيث طبيعتها رسالة عالمية, بل هي عالمية الزمان والمكان وموجهة للجنس البشري كله. والإسلام كما هو عقيدة وعبادة فهو نظام حكم, إذن فلابد من وضع الأسس والوسائل اللازمة لتطبيقه في واقع الحياة, لذا شرع الرسول صلي الله عليه وسلم علي الفور في تأسيس الدولة لتحمي الدعوة وتنظم المجتمع وخطي في ذلك خطوات عملية منها: أولا: بناء المسجد النبوي الشريف في المدينة, الذي لم يكن مسجدا للصلاة فقط, بل كان مركزا للدعوة ومقرا للحكم لإدارة الدولة. ثانيا: آخي بين المهاجرين والأنصار, لأنهم نواة المجتمع الجديد, وتوثيق العلاقة بينهم أمر ضروري, خصوصا أن الأساس الذي قامت عليه المؤاخاة أساس جديد لم يألفه العرب, فقد قامت المؤاخاة علي أساس العقيدة فقط. ثالثا: الكتاب الذي كتبه الرسول صلي الله عليه وسلم بينه و بين اليهود ليضع أسسا ثابتة تحدد العلاقات والحقوق والواجبات بين سكانها جميعا, وقد نظمت تلك المعاهدة كل الحقوق والواجبات والالتزامات بين سكان المدينة جميعا فهم سواء في الاعتبار الإنساني والحقوق القانونية وإن اختلفت عقيدتهم. وبهذا التخطيط الرائع قامت الدولة الإسلامية في المدينة, بشكل عملي, وكان أول رئيس لها هو رسول الله صلي الله عليه وسلم, وقد باشر الرسول هذه المهمة طوال حياته, فأقام الحدود ونفذ القضاء, وقضي في الحقوق المدنية والجنائية, وجبي المال من مواضعه الشرعية, ووزعه علي مستحقيه, وعقد المعاهدات, وعقد الصلح, وكان لابد أن يكون هناك من يعاونه في أمر الحكم فاستعان بأصحابه وشكل منهم هيئة حكومته, وانتظمت شبه جزيرة العرب لأول مرة وأصبحت وحدة دينية وسياسية تحت قيادة النبي صل الله عليه وسلم.