تواصل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استخدام سلاح العقوبات, وأفرطت كثيرا فيها إلي حد معاقبة حلفاء تقليديين للولايات المتحدة مثل أوروبا وكندا والمكسيك, وبالتالي تتلقي ضربات مماثلة ممن عاقبتهم, لكن الولاياتالمتحدة تقامر بأهم مقومات قوتها وهي أن الدولار الأمريكي أصبح لزمن طويل مرجع باقي العملات, وتقاس العملات المحلية ارتفاعا أو هبوطا بالدولار, الذي تخلت أمريكا منذ زمن طويل عن أن يكون له غطاء ذهبي يوازي قيمته السوقية, وبالتالي أصبح مثل شيك بدون رصيد لكنه قابل للتداول, وتحول من عملة إلي سلعة, واعتمد الدولار علي قوة وسمعة الاقتصاد الأمريكي أولا ثم شبكة الخدمات المالية والمصرفية, التي أصبحت الجهاز العصبي لحركة التجارة الدولية, لكن الإفراط في الاستخدام المتعسف للعملة الأمريكية والشبكة المالية سيدفع الدول المنافسة والناشئة إلي التمرد علي النظام الأمريكي, والخروج من بيت طاعة العملة الأمريكية, ووجدنا مؤخرا أكثر من دولة تقرر التبادل التجاري بالعملات الوطنية بعيدا عن الدولار, وهذه خطوة باتجاه الاستقلال النسبي عن العملة الأمريكية, ليأتي إعلان روسيا أن الوقت قد حان لإنشاء شبكة مصرفية وبديل للدولار الأمريكي, لوضع حد لاستغلال الولاياتالمتحدة هيمنتها علي الشبكة المصرفية وتحكمها فيها, وجعل الدولار مقياسا للعملات الأخري, في الوقت الذي أعلنت فيه أوروبا عن خطوة أخري غير مسبوقة بإنشاء مصارف لا تراقبها أو تتحكم فيها الولاياتالمتحدة, وسيجري استخدامها في التحويلات المالية مع إيران أو أي دولة أخري تتعرض لعقوبات تعسفية من الولاياتالمتحدة, أما الصين التي تبلغ صادراتها السنوية للولايات المتحدة نحو500 ألف مليار دولار, ووارداتها نحو140 مليار دولار, وتحقق فائضا قدره360 مليار دولار فهي أكثر الدول اهتماما بكبح جماح العقوبات الأمريكية, وبالتالي الأكثر حماسا ودأبا نحو إيجاد عملة دولية بديلة للدولار, ويمكن للصين أن توجه ضربة موجعة للعملة الأمريكية, بوصفها أكبر حائز في العالم للسندات الأمريكية بما يزيد علي2,1 ترليون دولار, يمكن أن تطرح جزءا منها, بما يرفع الفائض من الدولار, ويتراجع سعره, وهو ما يلحق خسائر جسيمة بالمودعين بالدولار, شركات وأفراد, ويضعف الثقة بالدولار الأمريكي, ويخفض قيمته الشرائية, لينعكس سلبا علي المستهلك الأمريكي.. إننا نشهد جولات من الحرب التجارية, التي تستخدم فيها الولاياتالمتحدة أقوي أسلحتها الإستراتيجية وهي الشبكة المصرفية والدولار الذي تحول من أداة تبادل إلي سلعة, وهو المرجع في تقييم باقي العملات, ورغم قوة هذا السلاح إلا أن الإفراط في استخدامه يدفع الدول المتضررة إلي محاربته وإيجاد البديل, وفي حالة المضي قدما في هذا الطريق فإن الولاياتالمتحدة مهددة بفقد أهم أدواتها الاقتصادية, وينهار الدولار ومعه الولاياتالمتحدة واقتصادها, لكن الولاياتالمتحدة تدرك أن إسقاط الدولار أو أي انهيار أمريكي لن يتوقف عند الحدود الأمريكية, لترابط الاقتصادات الدولية, ومن بين الأسباب أن الديون الأمريكية تبلغ نحو50 تريليون دولار, ويمكن أن تصبح ديونا معدومة في حال إصابة الاقتصاد الأمريكي بضربة موجعة, لهذا من الصعب أن تقدم الدول المنافسة علي الإضرار الخطير بالاقتصاد الأمريكي والدولار, لأن الضرر سينتقل إليها مثل أمواج التسونامي, وستغرق أوروبا والصين وباقي الدول الناشئة, لكن ذلك يجب أن يدفع الولاياتالمتحدة إلي الحذر وألا تفرط في ضغوطها ومقامراتها, حتي لا تدفع باقي الدول علي هدم معبد الاقتصاد العالمي علي الولاياتالمتحدة والجميع, وتحدث أزمة اقتصادية عالمية غير مسبوقة, تفوق نتائجها ومخاطرها أزمة الثلاثينيات والحرب العالمية الثانية.