بحفاوة بالغة شعبيا ورسميا, جاء استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي لدي وصوله إلي العاصمة السودانية الخرطوم, في أول زيارة خارجية له في بداية ولايته الثانية, ليلتقي شقيقه الرئيس السوداني عمر البشير, في قمة تحمل الرقم الثاني والعشرين بين الزعيمين, بما يعكس عمق الروابط الجغرافية والتاريخية والثقافية, ويجسد وحدة المصير المشترك النابع من شريان الحياة الذي يربط مصر والسودان. تأتي هذه القمة, في رؤيتي, تأكيدا لثوابت المواقف والرؤي والأهداف والوسائل والغايات بين الزعيمين, تحقيقا لمصالح الشعبين والبلدين الشقيقين, وتعزيزا لجهود تستهدف, بإرادة وطنية خالصة, تحقيق الأمن والاستقرار لدول الجوار الإقليمي, وتؤكد حرص قيادتي البلدين علي تذليل وإزالة كل المعوقات, لتحقيق انطلاقة إستراتيجية نحو آفاق أرحب وأوسع للتعاون الثنائي في مختلف المجالات, وهو ما أعلنه الرئيس السيسي في المؤتمر الصحفي, وكذلك تأكيد الرئيس البشير حرصه علي توطيد العلاقات المشتركة, والعمل معا علي إزالة كل المصاعب, بما يسهم فعليا وواقعيا في تجسيد الروابط الأخوية بين شعبي وادي النيل. ومن خلال متابعتي, هنا في العاصمة الخرطوم, لزيارة الرئيس السيسي, ومباحثات القمة مع الرئيس البشير, والأجواء المحيطة بهذه القمة, يمكن استخلاص عدد من المرتكزات التي جسدتها المباحثات, وعبر عنها الرئيسان في المؤتمر الصحفي, وأهمها: إن القمة الثانية والعشرين بين الرئيسين, وحرص الرئيس السيسي علي أن تكون الخرطوم أول عاصمة يزورها في ولايته الثانية, وكذلك في ولايته الأولي, لما تحظي به من مكانة خاصة لديه, وللأولويات المتميزة والمتقدمة لكل الشعب المصري, استنادا إلي روابط لا يمكن حصرها, تمتد جذورها في تاريخ العلاقات بين البلدين. إن الزيارة التاريخية للرئيس السيسي لبلده الثاني السودان, تأتي في إطار التوجه الثابت والواضح في سياسة الدولتين, وهو جزء لا يتجزأ من توجهاتهما إقليميا ودوليا, والقائم علي التنسيق الكامل, والسعي المستمر لدعم المصالح المشتركة لدولتين وشعبين, ما بينهما من روابط لا يمكن حصره, ولا التقليل من عمق تأثيره, فما بينهما, علي حد تعبير الرئيس السيسي, يندر أن يتكرر بين أي دولتين وشعبين علي مستوي العالم. هناك رغبة مشتركة, تجسدها مشروعات وجهود علي أرض الواقع, في دعم العلاقات الأخوية بين القاهرةوالخرطوم, تبلورت في لجان وآليات التعاون, وتجاوز العديد من الصعوبات التي كانت تواجهها, إضافة إلي تعزيز التنسيق والتشاور, مع الإيمان بأن الطريق لا يزال طويلا للارتقاء بعلاقات التعاون بما يحقق تطلعات شعبي البلدين. إن الرؤية المصرية التي تتلاقي معها الرؤية السودانية, بحكم التاريخ والجغرافيا والمصالح والمصير المشترك, تنطلق من حقيقة ثابتة, وهي أن أمن واستقرار وتنمية دول الجوار الإقليمي يعود بالنفع علي كل الأطراف, ولذلك جاء تأكيد الرئيس السيسي لشقيقه الرئيس البشير دعم مصر الكامل لكل الجهود المخلصة لتسوية المنازعات الإقليمية, وتحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة, فمصر تعتبر أن هذا جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري, بل هو عنصر أساسي في ثوابت سياسة مصر الخارجية. اتصالا بالمحور السابق, جاء تأكيد الرئيس تثمين الجهود الرامية إلي رأب الصدع في العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا, وكذلك بين الأشقاء في جنوب السودان, حيث وجه رسالتين; إحداهما عبر فيها عن سعادته البالغة بالتطورات الإيجابية بين إثيوبيا وإريتريا, مؤكدا دعم مصر لإحلال السلام بينهما, والرسالة الثانية للأشقاء في جنوب السودان, حيث أعلن أن مصر ستعمل مع أشقائها في المنطقة حتي ينعم شعب جنوب السودان بالاستقرار والرخاء الذي يتطلع إليه ويستحقه. لا يغيب عن تفكير أحد متابع لطبيعة العلاقات التاريخية والمصيرية بين مصر والسودان, أن ما أعلنه الرئيس السيسي في مؤتمره الصحفي يعكس حقيقة لا تقبل الخلاف, حيث أكد أن المبادئ الأساسية للتعاون بين البلدين ومشاعر الأخوة والرغبة في العمل المشترك, هي المشاعر ذاتها التي يحملها الأشقاء في السودان قيادة وشعبا, وهذا التأكيد من جانب الرئيس إنما يعكس, من وجهة نظري, حقيقة قد يترجمها سؤال: ولم لا؟ ومصر والسودان مصدر حياتهما شريان واحد ومصير وغاية واحدة.. أمن واستقرار وسلام ورخاء. إن الرئيس السوداني عمر البشير أكد في كلمته أن زيارة شقيقه الرئيس السيسي تأتي في إطار التواصل المستمر لتوطيد العلاقات بين البلدين, مؤكدا أنها ترتبط بعوامل جغرافية وتاريخية وثقافية مشتركة, إضافة إلي علاقات أسرية ممتدة, ومن هنا فإن السودان, علي حد تعبيره, ينطلق في تعزيز هذه العلاقات من كونها استراتيجية في شتي المجالات. إن ما عبر عنه الرئيس السيسي من وحدة الرؤية والرغبة المشتركة أكده الرئيس البشير حين أعلن أنه تم تكليف الحكومتين بوضع استراتيجية واضحة بتوقيتات محددة, وأن قيادتي البلدين ستعملان علي إزالة أي عوائق, ومشيرا في عبارات لها دلالاتها إلي أن زيارة الرئيس السيسي لها ما بعدها, وقال: إن هذا التصريح نسأل عنه أمام الشعبين. لعلني أستطيع قبل ختام هذه الرسالة أن أؤكد أن زيارات الرئيس السيسي ومباحثاته دائما تستهدف تجسيد حيوية الدولة المصرية بقيادته الحكيمة في تعزيز مكانتها الإقليمية واستعادة دورها وأدوات تأثيرها في ظل التحديات الهائلة التي تحيط بها وبدوائر أمنها القومي. إنني أؤمن بيقين لا يتزعزع أن القيادة السياسية للرئيس السيسي تدير منظومة ناجحة ومتناغمة تعمل وفق رؤية واضحة وترتيب أولويات يتسق مع أهداف الدولة واعتبارات أمنها القومي من غزة شرقا إلي السودان جنوبا, ومن ليبيا غربا إلي جنوب أوروبا شمالا.. والمنظومة, بفضل الله, شديدة الإحكام والفعالية لحكمة القيادة ووطنيتها. وختاما.. يمكنني أن أؤكد أن وحدة البلدين تاريخيا وجغرافيا, ورؤية مستقبل علاقاتهما إنما يجعلنا أكثر تفاؤلا بأن الغد سيحمل خيرا كثيرا لبلدين حريصين علي روابط لا يمكن أن تنفك أواصرها, وأنها قادرة دوما علي تجاوز كل العقبات; لأن قيادتي البلدين تدركان وبحق أن المصير والغاية والهدف واحد; لأن نبع الحياة فيهما واحد, وسيمضي النهر من منبعه إلي مصبه ليحقق الخير الذي تستحقه مصر والسودان.