أصوات ونغمات أشبه بسيمفونية وتثير الشجن والعواطف تخرج من تحت أقدام الخيل وهي تجر عربات الحنطور في بني سويف كفرقة أوبرالية يعرف إيقاعها الجميع تمتزج فيها رنات حدوة الفرس مع أجراس الزينة المعلقة في رقبته مختلطا بها تشيلو العجلات الخشبية ولكن أصحاب الفرق الموسيقية الطبيعية تعاني الاختفاء والاندثار والتجاهل أيضا في بني سويف.. وتبحث عن منقذ لها كإحدي مفردات التراث الأصيل و الزمن الجميل.. فالتاكسي والميكروباص والزحام الشديد حلا محل الحنطور مع تطور المركبات ووسائل النقل ولم يترك له مساحة ولا أي فرصة ولا حتي وسيلة نقل عبر الممشي السياحي تجذب السياحة الخارجية كما في بعض المحافظات وبقي الحنطور لعشاق الذكريات الجميلة في أجواء بني سويف وعلي الرغم من أن أغلب أصحاب الحناطير بالمحافظة يقبلون علي صيانة تلك العربات النادرة واختيار أفضل الخيل لها ومراعاته وتغذيته وتطبيبه.. ولديهم استعداد للتضحية للحفاظ عليها وتوريثها ولكن الأمواج أعلي منهم. يقول جابر السيد- صاحب حنطور- كنا نتحرك في بني سويف شمالا وجنوبا بالزبائن والسياح دون أن ينازعنا منازع وبدأت سيارات التاكسي تحل محلنا ولم يعد يقصدنا غير المحب لركوب الحنطور ولا نستطيع أن نتحرك به الا في أضيق الحدود نظرا لتعليمات المرور وضيق وازدحام الشوارع. رخصة تسيير وأضاف متولي علي- سائق كارو- يوجد نحو350 أسرة في بني سويف تعتمد علي الحنطور في أرزاقها وبدأ العديد منهم في بيع عرباتهم والخيل الخاصة بهم نظرا لعدم قدرتهم علي الإنفاق علي إطعام الخيل تارة وعمل الصيانة اللازمة لعربة الحنطور التي تحتاج للتنحيس والتلميع والدهان وتجديد الجلد الذي يبلي من حرارة الشمس وللأسف لا يوجد ممشي سياحي للمحافظة لانطلاق الحنطور من خلاله للتنزه والاستمتاع في ظل سرعة التاكسي كمواصلة أسهل وأسرع بالنسبة للمواطن وانحسر مكان وجود الحنطور علي منطقة الغمراوي ومحيي الدين وهي منطقة شعبية ومزدحمة ولا يأتي اليها أي زائر إلا المضطر في أضيق الحدود وأشار متولي الي أن الحنطور مثله كأي وسيلة مواصلات حيث يستخرج له رخص تمكنه من السير بالشارع ومزاولة عمله, لافتا إلي أنه يتم استخراج رخصة للعربة بقيمة700 جنيه, وللحصان رخصة ب1000 جنيه, وللسائق رخصة ب500 جنيه. يقول أيمن محمود- سائق حنطور- إنه ورث المهنة أبا عن جد يعمل بها منذ30 عاما بعد أن شجعه علي العمل بها أبوه حتي عشقها لتصبح مهنته التي تساعده علي تحدي ظروف المعيشة الصعبة, لافتا إلي أن عدد العربات الآن ببني سويف لا يجاوز ال30 عربة, بعد أن كانت لهم السيطرة والسطوة علي شوارع المدينة, فكان الحنطور هو وسيلة المواصلات الوحيدة, ودقت سيارات السيرفيس والتاكسي المسمار الأول في نعش الحنطور عندما أقر المجلس المحلي الترخيص للتاكسي بالسير في شوارع مدينة بني سويف. قوت اليوم وأضاف: الحنطور الواحد لا يتحصل علي15 جنيها يوميا لا تكفي لغذاء الحصان, بينما يحتاج السائق وأسرته إلي توفير قوت يومهم مطالبا محافظ بني سويف بإشراكهم في منظومة النقل الداخلي بآلية تضمن لهم الاستمرار في العمل حفاظا علي رزق أسرهم, مؤكدا أنه أبعد أبناءه عن المهنة خشية عدم القدرة علي الإنفاق علي أسرهم وحتي أنفسهم. وقال محمد غريب- سائق حنطور- أبدأ يومي من الساعة التاسعة صباحا, بإفطار الحصان وتلبيسه الطقم والرقبية ثم تنظيف العربية, متابعا: أقف استني الزبائن لما ييجوا يركبوا ونادرا ما أجد زبونا حتي فترة الظهيرة, عادة بيكون شغل الصيف أكتر من الشتاء عشان كده في الصيف ممكن نبتدي يومنا علي الساعة واحدة, الصيف رزقه كتير, والشتا وقتها قصير ومشاكلها كتيرة, فالطرق والأمطار يتسببون في كثير من الحوادث التي تتلف الحنطور سواء كانت تلك الحوادث في العربية أو في الحصان. من جانبه أكد المهندس شريف حبيب محافظ بني سويف, بأنه يدرس استغلال ما تبقي من عربات الحنطور في الترويج السياحي بتخصيص خط لها علي كورنيش النيل والمناطق والمزارات السياحية, واتخاذ ما يلزم من إجراءات تضمن الحفاظ علي نظافة الشوارع والقائمين علي الحنطور بشكل يليق بمحافظة بني سويف وتاريخها وحضارتها.