ورغم ان الإسلام كدين جاء كثورة لفتت العالم كله, في المصالحة بين الدين والدنيا, تبني مفاهيمهاكل من تقدموا في ركب الحضارة من بعده. قبل أيام أصدر الأزهر الشريف وثيقة تاريخية. وأكد الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب ان الإسلام لا يعرف في تشريعاته ولا حضارته او تاريخه ما يعرف بالكهنوتية او الدولة الدينية, كما أكدت الوثيقة الالتزام بمنظومة الحريات الاساسية في الفكر والرأي, مع الاحترام الكامل لحقوق الإنسان والمرأة والطفل, واعتبار الوطنية وعدم التمييز علي اساس الدين او النوع او الجنس مناط التكليف والمسئولية فضلا عن تأكيد مبدأ التعددية, واحترام العقائد السماوية الثلاث, وبين المحاور التي طرحها بيان الأزهر, إضافة لما سبق, ما يشكل عصب اهتمامي المهني واخص بالذكر هنا المحورين:( سابعا) اعتبار التعليم والبحث العلمي مسئولية الدولة ودخول مصر عصر المعرفة وقاطرة التقدم الحضاري, وتكريس كل الجهود لتدارك ما فاتنا في هذه المجالات, وحشد طاقة المجتمع كله لمحو الأمية, واستثمار الثروة البشرية وتحقيق المشروعات المستقبلية الكبري, و(ثامنا) إعمال فقه الأولويات في تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية. وتشجع هذه المحاور في وثيقة الأزهر, مع حديث شيخه الأكبر, علي التطرق إلي قضية في غاية الأهمية, مازالت تصيب العقل العربي بالتشويش, نتيجة التخلي عن المنهج الصحيح ولو علي مستوي العقل الباطن في معالجة مجالات متعددة, تذرعا بالدين رغم أن الدين نفسه قطع فيها بآيات غاية في الصدق والإحكام, ورغم ان الإسلام كدين جاء كثورة لفتت العالم كله, في المصالحة بين الدين والدنيا, تبني مفاهيمهاكل من تقدموا في ركب الحضارة من بعده. منطق الأشياء يقول إن الإنسان يتعامل مع مجالات متباينة لكل منها مرجعيته المختلفة فالدين مجال المرجعية التي تحكمة هو الإيمان بما جاء في كتاب الله, وهو إيمان حدسي غيبي, والعلم مجال المرجعية التي تحكمه هو المنهج العلمي, القائم علي الملاحظة الدقيقة والقدرات العقلية مثل النقد والشك والحدس.. والفن مجال, المرجعية التي تحكمه هو الذوق والإحساس والعاطفة والخيال و..... والسياسة مجال وهذه مجالات يتمايز واحدها عن الآخر. فالعلم يجتهد ليؤصل الصفات الحقيقية للعالم الطبيعي, وينمي من اجل ذلك النظريات التي تنسق وتشرح هذه الحقائق, اما الدين فميدانه يتصل بأسباب الوجود وأهداف الإنسان والمعاني والقيم, وكلها أمور لا يمكن الاستعانة عليها بمعطيات العلم المادية وحدها, حيث تعجز عن شرحها وحل رموزها. هذا بينما لا يعدو الفن ان يكون بلاغة الكذب فالإنسان لايريد ان يقول به فكرة باتة او يقر حقيقة علمية, وإنما يحاول أن يحس ويدرك ويفهم ويعي واقعا ما, من خلال المحاكاة والتمثيل والتعبير والمناورة بالسيناريوهات المتباينة. ويهمنا هنا التأكيد علي أن للحياة الإنسانية متطلبات ضرورية من المجالات الإيمانية والمعرفية المتباينة, ولا عيب في تعامل الإنسان معها جميعا, علي نحو متواز, مع وجوب التعامل مع كل مجال بحسب منهجه الخاص, فالناس في حاجة إلي الإيمان الديني, كما أنهم ادري بشئون دنياهم( وفق قول الرسول الكريم), ناهيك عن أنهم مدعوون إلي الاهتمام الأقصي بهذه الدنيا, حتي أن الدين يأمرهم: إذا قامت القيامة وفي يد أحدهم فسيلة فعليه ان يغرسها!! وكون الإنسان عالما متبحرا في أحد العلوم, لا يتعارض مع أن يكون تقيا ورعا, يمكن ادراك حاجته, مثل كل إنسان, إلي هذه المجالات جميعا من ضرورة التزام العلماء بالقيم الأخلاقية, التي يستحيل ان تنبع من مجرد الاكتشافات العلمية المادية وحدها, حتي إذا كان بعضها محكوما بنوعية التخصص, هذا كما ان هذا العالم في حاجة إلي الفنون, فهي تربي قدرات التخيل والتصور والحدس والعاطفة, أساس الممارسة الإبداعية في كل مجالات الحياة. ناهيك عن ان للفن دورا في تنمية التفكير المرن والمترابط في الوقت نفسه, فهو خلافا للتاريخ, المفترض ان يقرر حقائق ناجزة, يتيح حرية إبحار تقود إلي سيناريوهات متباينة, اعتمادا علي العوالم الخاصة لمبدع الفن ومتذوقه, وهو يقلقل بذلك كثيرا من التصورات التي تيبست فاتحا الباب امام اختراقات ابداعية, مما يتيح درجات من اللياقة لعضلات المرونة الابتكارية في الإنسان, لتؤدي دورها في مجالات الحياة المختلفة. ليس هناك صراع إذن بين الدين والعلم والفن, ولا بين الإيمان والعقلانية, والإشكالية المفترضة بين العلم والدين ليست الا إشكالية مستوردة من تجارب وازمنة اخري كاتب متخصص في قضايا العلم والأدب دكتوراه في نواميس النبوغ والإبداع( يوسف إدريس نموذجا) صدر له أكثر من40 كتابا... جائزة أكاديمية البحث العلمي في الثقافة العلمية وتبسيط العلوم ثلاث مرات