هل إذا استقلت الدولة عن الدين وتحرر الدين من قيود الدولة سيلعب الأزهر والكنيسة المصرية دورهما التاريخي الإقليمي والعالمي تماشيا مع المكانة التاريخية والحضارية لمصر؟ عقب انقضاء ربيع الشعوب العربية, أتي الصيف محملا بجدل سوفسطائي طارحا دينية الدولة مقابل مدنية الدولة, والأخير شعار رفعته الثورة في مواجهة بوليسة الدولة وعسكرتها وضد دولة أمن الدولة, فالدولة كالسيارة والحاسوب لا دين لها. نفقات الدولة الرئيسية ثابتة بغض النظر عمن يحكم البلاد, وقد اعترف استاذي برنار لاميزية ان الفارق الوحيد بين ما تقدمه حكومات اليمين الفرنسي وحكومات اليسار الفرنسي من ميزانيات يكمن في الواحد بالمئة المخصص للثقافة, فاليمين ينفق في الأوبرا, والكلاسيكيات بينما اليسار ينفق علي الشباب والثقافة الشعبية, وهكذا يكون الفارق بعد ارساء الديمقراطية, ويبدو علميا ان طرح الاسئلة جزء كبير من حل المشكلة, لذلك سنطرح بعض الاسئلة من قبيل: هل كان لسبب وجيه اختيار الدولة اي الحكومة والحزب الوطني المنحل و الوزارات السيادية والرئاسة للإخوان المسلمين كعدو سياسي وشريك غير شرعي مسموح به في البرلمان ومشارك في العمل في الشارع, والجهات الاجتماعية بينمامنعت الأحزاب الرسمية كالوفد والناصري والتجمع والجبهة والغد من العمل في الجامعات وغيرها؟ و هل كانت ازدواجية الوضع التشريعي بين جماعة منحلة وشريك سياسي امرا مريحا للنظام السابق؟ وهل كان طرح الإخوان لقضية الهوية الدينية لمصر, التي هي بمثابة عرف غير مكتوب تفوق قوته أي دساتير منذ عمرو بن العاص وصولا إلي ثورة1919, سببا مباشرا لاختيار الجماعة للعب هذا الدور كشريك غير شرعي في النظام السياسي من قبل النظام, الخنيق ودون غيرهم من باقي الأحزاب؟ اولوية الولاء لمصر او للخلافة, والاعتراف بسابق تاريخ مصر قبل الإسلام, قضايا ينتظر من الإخوان حسمها بعد الثورة ليشاركوا بعد ذلك في بحث قضية استباحة الإسلام الوهابي لإسلام مصر الوسطي, توافقا مع تقلص دور الأزهر الشريف, واعتقد أن حل كل مشكلات الهوية الدينية الإسلامية يتلخص في تكييف الوضع الدستوري للإمام الأكبر ليتناسب مع مكانة الأزهر الشريف. ولعل من المفيد التذكير بأنه حين جاءت مفاوضات الصلح عقب الحرب العالمية الأولي تصور الإنجليز إمكانية جر مصر إلي سيناريو يقارب سيناريو الهند وباكستان, فطالبوا بمعاملة اقباط مصر كأقلية يحميها التاج البريطاني, ورفض زعماء الأقباط كويصا واصف ومكرم عبيد, وسينوت حنا بل وجميع الأقباط هذا, وأصروا علي أنهم مصريون كاملو حقوق المواطنة ولا شيء آخر سوي ما كان, ولا أدل علي ذلك من خطب القساوسة في المساجد و الائمة في الكنائس, وهكذا كانت ثورة1919. كان النائب الأول لسعد زغلول قبطي مسيحي, وكان في دستور1923 ارساء لقواعد النظام البرلماني ما يؤكد مشاركة الشعب عبر الأحزاب نوعا ما في الحكم إلي جانب السلطان او الملك وسلطة الاحتلال المؤقتة, ولعل أبرز دليل علي وسطية مصر ما قبل يوليو1952 هو الهلال الذي يحتضن النجوم الثلاثة التي ترمز للأديان السماوية الثلاثة, هذا الفهم العميق للدين استمر موروثا منذ اخناتون وكعرف أقوي من الدستور, وتلخصه العبارة الدين لله والوطن للجميع, وكما هو الأزهر أقدم جامعة إسلامية في العالم والمرجعية الأولي, وقد تكون الأخيرة للإسلام السني علي الأقل بالنسبة للمصريين, فالكنيسة المصرية والكرازة المرقسية هي الأقدم بين مسيحيات العالم وهي كنيسة مستقلة وكانت واسعة النفوذ في اثيوبيا. ويبقي السؤال الرئيسي: هل إذا استقلت الدولة عن الدين وتحرر الدين من قيود الدولة سيلعب الأزهر والكنيسة المصرية دورهما التاريخي الإقليمي والعالمي تماشيا مع المكانة التاريخية والحضارية لمصر؟ تلك هي القضية الدينية فيما هو يخص مصر المستقبل, وتتبقي مسألة المرجعيات غير الأزهرية وتأثيرها في المشهد الإعلامي الديني بالفضاء الرسمي والافتراضي. الإخوان كغيرهم من القوي الوطنية يتعين عليهم أن يلعبوا دورا في القضاء علي سيادة ثقافة الصحراء علي ثقافة الوادي الوسطية والحنيفة, ولن يتسني هذا لمصر إلا إذا تمكنت الجماعة من الخروج من تجربة الماضي مع النظام الخنيق منطقا وسبيلا وباستعادة الأزهر الشريف لدوره التاريخي, وهذا منطقيا يبدو في الإمكان, فمثلا الفلسفة الإسلامية الأشعرية للأزهر تجعل منه مرجعية حتي لغير المسلمين وتجعل من الإمام الأكبر المرجعية الأهم في العالم الإسلامي, وكذلك هوالحال بالنسبة للكنيسة المصرية, وتلك هي القضية التي يجب طرحها في الملف الديني بعيدا عن العنف الديني الذي تلاعب به النظام الخنيق إلي جانب ملف كرة القدم والدراما الرمضانية كأسس لملفات الإلهاء وبعيدا عن ملفات التنمية والإصلاح. وهل كان الاختيار الاستراتيجي للسياحة دون غيرها كقاطرة للتنمية دون تخطيط للسياحة الداخلية التي هي أساس السياحة في دول سياحية كأسبانيا وفرنسا يهدف إلي المساهمة في تعظيم تكليفات الجهاز الأمني والتعامل مع السائح كأنه بقرة حلوب يجب حلبها دون شفقة في حين ان كل ما يبقي في أذهان الزوار هو كيفية تعامل أهل البلاد وثقافتهم وتوافقا مع التاريخ الثري للبلاد, هل استحضار الملف الديني علي هذا النحو يعد استكمالا لما تعودنا عليه من مخططات أمن الدولة في العهد الخنيق لضرب السياحة وشل التنمية والاستحواذ علي مساحة في الإعلام لإلهاء الرأي العام بعيدا عن التنمية والتخطيط للتنمية؟ اما بخصوص من يبدون كالجماعة المنحلة في النظام الجديد فيجب ان يقال من كانت هجرته لله ورسوله فلله ورسوله اما من كانت هجرته لغير ذلك فهجرته إلي ما هاجر إليه. هل تصور النظام الخنيق لقاطرة التنمية او السياحة, التي اختارها دون غيرها من صناعة وخلافه, أن تكون حساسة علي نحو يجعل طرح قضية الهوية الدينية مرشحا للتفسير كفتنة وانقسام داخل المجتمع رغم رسوخ العرف الوطني السائد دون دستور بأن الدين لله والوطن للجميع؟ ولذلك ربما كان السؤال الذي ألحت به مذيعة فرنسا24 ستيفاني أنطوان, علي وزير السياحة منير فخري عبدالنور حول أحداث إمبابة, ولم يكن حول تأمين السياح في مصر, ربما السياحة كقاطرة للتنمية ارث من العهد الخنيق وكانت دون تنمية للسياحة الداخلية, ولكن إعادة بلورة القطاع لابد وان يتوازي مع حزم من الإصلاحات قد تبدأ بانتخابات المحليات ولن تنتهي بتحديد صلاحيات رئيس الجمهورية, والسياحة تبدو كقطاع اقتصادي يدخل في زمام الدولة الحديثة او ما هو مطروح كدولة مدنية. بينما ملفات استعادة الدورالتاريخي بالنسبة للأزهر والكنيسة والإندماج في العمل العام الرسمي بالنسبة للإخوان وتحديد الهوية بالنسبة للسلفيين, ملفات تخص كل علي حدة في جوهر الملف الديني. كاتب مصري