للكرة المصرية في مونديال1990 في إيطاليا الكثير من الذكريات الجميلة, والأحداث المثيرة, والطرائف النادرة, وهناك من حقق الإنجاز الكبير ونال شرف اللعب أساسيا من بين قائمة ال11 وهناك من نال شرفا أكبر وهو حمل شارة قيادة المنتخب رسميا والوقوف في بداية الصف. صاحب هذه السطور لم يكن رجلا عاديا, بل لاعبا كبيرا ومهاجما أسطوريا وقائدا محنكا, حقق تاريخا كبيرا في المستطيل الأخضر وله تجارب ناجحة في أكبر ناديين داخل مصر الأهلي والزمالك كان فيها الهداف الأبرز للقطبين, ونال الشرف الكبير لأن يكون أحد أهم أعمدة محمود الجوهري في بطولة كأس العالم1990 ويشارك أساسيا في مباراتين من ثلاث مباريات والأهم ارتداء شارة القيادة. هو جمال عبد الحميد, قائد المنتخب الوطني داخل الملعب في مونديال90 والهداف الكبير في عالم كرة القدم الذي كان لنا معه هذا الحوار. في البداية كيف تم ضمك إلي المنتخب الوطني في ذلك التوقيت؟ بعد تولي الراحل محمود الجوهري المهمة الفنية للمنتخب الوطني الأول لكرة القدم عام88 خلفا للويلزي مايكل سميث لم أكن من العناصر الأولي التي ضمها الجوهري لقائمة المنتخب الوطني في تصفيات كأس الأمم الأفريقية عام90 رغم أنني كانت هداف مسابقة الدوري موسم88/87 برصيد10 أهداف. وعندما سئل الجوهري وقتها عن سبب تجاهله لي, كان رد الجوهري أنا أكثر شخص يعرف قدرات جمال عبد الحميد. ومع أول مباراة للتصفيات المؤهلة لكأس الأمم انضممت للمنتخب الوطني وكانت أمام إثيوبيا, كانت مباراة خلال رمضان الكريم عام89 وأحرزت وقتها3 أهداف من الستة أهداف التي سجلها المنتخب الوطني ومنذ ذلك الحين لم أغادر المنتخب. وماذا عن التصفيات المؤهلة لكأس العالم في إيطاليا سنة1990 ؟ وقعت مصر في مجموعة تضم ليبيريا وكينيا ومالاوي وتأهلنا علي رأس المجموعة لنلاقي الجزائر في مواجهتي الذهاب والإياب الحاسمة وأتذكر وقتها عندما سافرنا لخوض مباراة الذهاب في مدينة بالجزائر وحرصت الجماهير الجزائرية علي حضور مران منتخبنا وقتها, وكان هدفهم إحباطنا وتثبيط عزيمتنا قبل مواجهتنا, وعندما طلبنا من الجوهري إخلاء ملعب المران رفض قائلا: دول الجماهير اللي هنشوفها في المباراة, موضحا أنه كان يرغب في انتزاع الرهبة والخوف من جماهير المنافس. وماذا عن مباراة العودة بالقاهرة؟ بعد4 دقائق من بداية المباراة نفذ أحمد الكاس كرة عرضية داخل منطقة جزاء الجزائر وكل مدافعي الجزائر بمن فيهم حارس المرمي اشتركوا معي في الكرة خوفا من ضربة الرأس المشهور بها لتتهيأ الكرة لحسام حسن الذي أودعها في الشباك. كيف كانت أجواء الاستعداد لكأس العالم؟ دعني أخبرك أن محمود الجوهي حول المنتخب إلي ثكنة عسكرية, حيث استجاب اتحاد الكرة إلي طلبه بإلغاء مسابقة الدوري حتي نستعد للمونديال بشكل أفضل, كان الجوهري يريد رفع معدل اللياقة البدنية لذا كان يعاملنا معاملة الصاعقة بصفته رجل جيش فكنا نذهب لمعسكرات الجيش والتدريب علي الجري أعلي التلال الرملية, والقفز داخل المياه صباحا في الشتاء والعبور وسط الكتل النارية وعبور الأسلاك الشائكة والقفز من أعلي, وخضنا أكثر من14 مباراة ودية مع رومانيا وأسكتلندا وكولومبيا وتشيكوسلوفاكيا وتشيلي. وماذا عند الوصول إلي إيطاليا؟ تعمد محمود الجوهري علي إبعاد بعثة منتخبنا عن مدينة باليرمو التي تستضيف مبارياتنا نحو60 كيلو حتي لا ننبهر بأجواء إيطاليا خاصة أننا لم نكن منفتحين علي الدوريات العالمية ضمن صفوف منتخبنا سوي مجدي عبدالغني بنادي بيرامار البرتغالي ومجدي طلبة في باوك اليوناني. وأذكر وقتها أن الجوهري حرمنا من حضور مباراة الافتتاح بين الأرجنتين والكاميرون قائلا: إحنا جايين نمثل مصر مش نحتفل ونشجع بل وأصر علي إقامة مران لنا في نفس توقيت مباراة الافتتاح. وماذا فعلت كقائد للمنتخب وقتها؟ حرصت علي أن يقيم كل لاعب من النادي الأهلي مع لاعب من نادي الزمالك في غرفة واحدة, فمثلا كان معي في الغرفة أيمن شوقي, وأحمد شوبير مع أيمن طاهر, وإبراهيم حسن مع أشرف قاسم وحسام حسن مع أحمد رمزي لإحداث الألفة وجعل المنتخب أسرة واحدة. وماذا عن مباراة المنتخب الأولي مع هولندا؟ أهم ما يميز محمود الجوهري هو أنه مدير فني واقعي جدا حيث إن الجميع كان يتوقع أن يخسر منتخبنا بنتيجة كبيرة أمام هولندا بطل أوروبا وقتها والذي كان يضم رباعي الرعب فان باستين ورود خوليت وكومان وفرانك ريكارد, وهو ما دفع الجوهري للعب بتكتيك دفاعي صارم مع الاعتماد علي الهجمة المرتدة. وقبل بداية المباراة دخلت غرفة لاعبي هولندا التي تجاورنا لنفاجأ بضخامة أجسامهم مقارنة بنا, كنت وجميع زملائي في الملعب مع الربع ساعة الأولي من المباراة لا تحملنا قدمانا من شدة الخوف من المنافس ولكن شيئا فشيئا استعدنا ثقتنا بعد تأخرنا بهدف حتي نجحنا في التعادل بركلة جزاء مجدي عبدالغني. وأتذكر أثناء المباراة أنني دخلت في وصلة مراوغة لفرانك ريكارد مدافع هولندا الشهير حتي إن هناك بعض النقاد خرجوا يقولون إن جمال عبدالحميد الذي يحصل علي مصروف جيب لا يتعدي20 دولارا يراوغ ريكارد الذي يصل سعره إلي6 ملايين دولار. وعن مباراتي أيرلندا وإنجلترا؟ كان هدف الجوهري هو عدم خسارة المنتخب والتأهل للدور الثاني بالتعادل في المباريات الثلاث وهو ما تحقق في مباراتي هولندا وأيرلندا ولكن خسارتنا أمام إنجلترا حالت دون ذلك وكان رد الجوهري علي المدير الفني لمنتخب أيرلندا وقتها عندما قال إن الفراعنة جاءوا إلي كأس العالم من أجل الدفاع وليس الفوز لماذا لم يستطع لاعبوك اختراق دفاعنا؟ أي أننا نجحنا في هدفنا وهو خطف نقطة منك. أما عن مباراة إنجلترا أتذكر وقتها أنني أضعت فرصة تهديف بالرأس أمام بيتر شيلتون حارس مرمي إنجلترا. كيف تقيم تجربة كأس عالم90 ؟ أري أن ما حققناه إنجاز بكل ما تحمله الكلمة من معني, فلم نودع المونديال بفضيحة ولولا هدف إنجلترا لنجحنا في التأهل إلي دور ال16 من البطولة.. أستطيع أن أقول إن جيل90 هو الذي غير خريطة الكرة في العالم.