الأرض بتتكلم عربي لم تكن مجرد صرخة أطلقها فؤاد حداد وغناها الموسيقار الشيخ سيد مكاوي عقب نكسة67 مباشرة من خلال برنامج إذاعي موسيقي شعري تحت اسم من نور الخيال وصنع الأجيال في تاريخ القاهرة , ولم تكن أيضا مجرد نبوءة بالنصر الذي تحقق في أكتوبر73, لكن ظلت هذه الأغنية دوما أيقونة للأغنيات الوطنية لكل البلدان العربية وقت أن تمر بها المحن والأزمات. صحيح أن فؤاد حداد كان متفردا دوما في أعماله شاعرا بهموم وطنه ومستشرفا للمستقبل متنبأ بكل الأمل لكن إبداع الشيخ سيد مكاوي في موسيقاه وصوته وتعبيره عن موضوع الأغنية فاق أي وصف وتجاوز مشاعر كل مواطن عربي بما صاغه لحنا وغناء.. ويبدو أن تلك الأغنية لاقت هوي خاصا عنده وكانت تعبر بقوة عن إيمانه وقناعاته الشخصية ففيها النضال الحقيقي وعدم اليأس او الاستسلام للهزيمة والانكسار بل التمسك دوما بالأمل وكان يري النصر مقبلا من عتمة الهزيمة. لم تكن تلك الأغنية وحدها هي التي عبرت عن قناعات الشيخ سيد وملامح شخصيته بل قائمة طويلة من الأغنيات خاصة الوطنية التي رسمت ووثقت لملامحه, لكن هذه الأغنية ألقت بالمصادفة أو قل وثقت لمشروعه الفني الموسيقي, فالموسيقي عنده تتكلم عربي فقط ولا تعرف التغريب, كما هو الحال في كل أغنياته فهو وريث شرعي وتاريخي للتراث الحقيقي وقدرته علي الابتكار من داخل رحم تلك الموسيقي دون الاعتماد علي آلة واحدة غربية ولا حتي جملة موسيقية واحدة أجنبية. ألحان الشيخ سيد صاغت سطورا ناصعة في تاريخ وتراث الموسيقي العربية, كما صاغت صفحات من دفتر أحوال الوطن, صحيح أنه شارك فؤاد حداد في كثير من الأعمال وبقيت أيقونة المسحراتي تراثا مصريا خالصا وباتت محطة من المحطات اللحنية المتفردة في التراث الموسيقي الشرقي, إلا أنه كان للشيخ سيد مكاوي اهتمام خاص بقضايا مصر والقضايا القومية وشارك في الكثير من المناسبات القومية المهمة, ففي أثناء عدوان1956 علي بور سعيد قدم سيد مكاوي أغنية جماعية كانت في صدر أغنيات المعركة وهي أغنية ح نحارب ح نحارب كل الناس ح تحارب.. وفي حرب1967 قدم سيد مكاوي عقب قصف مدرسة بحر البقر أغنية الدرس انتهي لموا الكراريس غناء شادية, وعقب قصف مصنع أبوزعبل قدم أغنية جماعية هي احنا العمال إلي اتقتلوا والأغنيتان للشاعر العظيم صلاح جاهين. كما اشترك سيد مكاوي في بداية الستينات في الحفل الكبير الذي أقيم بأسوان احتفالا بالبدء في بناء السد العالي وتحويل مجري نهر النيل وحضر الحفل الزعيم جمال عبد الناصر ورئيس الاتحاد السوفيتي نيكيتا خروشوف والرئيس السوري شكري القوتلي وكذلك نخبة من رواد الفضاء الروس ومعهم الرائدة الشهيرة فالنتينا, حيث غني سيد مكاوي أغنية ترحيب بأول رائدة فضائية من كلمات صلاح جاهين وهي أغنية( فانتينا..فالنتينا..أهلا بيكي نورتينا) كما قدم للشاعر فؤاد حداد( مصر مصر دايما مصر) وأغنية( مافيش في قلبي ولا عينية إلا فلسطين) وأثناء حرب السويس قدم لصديقه كمال عمار( يا بلدنا الفجر مدنة ونار بنادق). اجتذب المسرح الغنائي هذا الملحن الموهوب. ففي عام1969 كان بداية اشتراك سيد مكاوي بتقديم ألحانه للمسرح الغنائي والذي كان كثيرا ما يحلم به. فكان اشتراكه في أوبريت( القاهرة في ألف عام) والذي قدم علي مسرح البالون من خلال الفرقة الغنائية الاستعراضية وكان اشتراكه بالألحان في هذا الأوبريت مع عباقرة وكبار ملحني هذا الوقت مثل محمود الشريف وأحمد صدقي وعبد العظيم عبد الحق ومحمد الموجي وكمال الطويل وقدم سيد مكاوي في هذا الأوبريت ستة ألحان وهي: المماليك.. بناء القاهرة.. البياعين.. عيد الفطر.. الحاكم بأمر الله.. يا مصر افتحي قلبك. وكان للنجاح المدوي لهذا الأوبريت ولتألق ألحان سيد مكاوي في هذا العمل أن أسند إليه المسئولون بمسرح البالون تلحين الأوبريت التالي منفردا فكان أوبريت( الحرافيش) والذي حظي بإقبال جماهيري واسع وحقق نجاحا مبهرا. وكان له الفضل الأول في تأسيس مقدمات غنائية للمسلسلات الإذاعية والتليفزيونية, وقدم عشرات المقدمات لمسلسلات شهيرة مثل شنطة حمزة ورضا بوند وعمارة شطارة وغيرها, ولما كانت الإذاعة تقدم خلال شهر رمضان حلقات المسحراتي كانت تعهد لأكثر من ملحن للمشاركة في الثلاثين حلقة, وأسندت له الإذاعة تلحين3 حلقات فقدمها علي الطبلة, وبدون فرقة موسيقية ولاقت إقبالا كبيرا ما حدا بالإذاعة في العام الذي يليه إلي إسناد العمل كاملا لسيد مكاوي. إن كانت تلك مجرد زاوية صغيرة عن الشيخ سيد مكاوي ونحن نحتفل بذكري وفاته اليوم21 أبريل بعد أن مر عليها21 عاما, لكن المرور سريعا علي نشأته ومشواره الفني ربما يكشف لنا كيف تشكل وجدانه وثقافته. .. ولهذا حديث آخر.