قال يوما أحد المفكرين من رجال الاقتصاد والبنوك إن التشاؤم دليل علي الذكاء. ولكن أبدي اليوم العديد من المفكرين في الغرب من المؤرخين والاقتصاديين ورجال البنوك, تفاؤلهم من أن العصر الذي نعيشه حاليا هو أكثر العصور ازدهارا وأفضلها حتي فيما يتعلق بانتشار العنف. فقد ظهر في الأسواق العالمية عدد من الكتب التي تؤكد أننا نعيش اليوم أفضل عصر, والأقل عنفا منذ أكثر من ثلاثمائة عام, وربما منذ بدء التاريخ. آخر تلك الكتب التي تموج بالتفاؤل, للطبيب النفساني والاستاذ بجامعة هارفرد, ستيفين بينكر, بعنوان: التنوير الآن: قضية من أجل المنطق والعلوم والإنسانية والتقدم; وهو الكتاب الذي وجد فيه كل من يؤيد هذا التفاؤل مبلغه وهدفه. يؤكد بينكر في كتابه, وبالأرقام, أن العالم اليوم يعيش أفضل عصوره في كل المجالات: التعليم والصحة وفي امتداد العمر الي السبعينيات بعد أن كان متوسط العمر29 عاما قبل نحو ثلاثمائة عام, وفي انخفاض وفيات الاطفال, وفي المواقف تجاه المرأة والأقليات العرقية, ويقول بينكر ان الوضع أفضل حتي فيما يتعلق بالوقت الذي يقضيه المرء في الأعمال المنزلية. كما يشير بينكر كيف أن الثراء زاد مائتي ضعف, بينما انخفض الفقر المدقع لتصل نسبته الي10% بعد أن كانت90%. ويري المفكر الأمريكي/الكندي, أن السبب في هذا التفاؤل قد يكون التشاؤم لدي البعض من أننا نعيش في القاع, وفي خطر دائم, أهم تلك المخاطر الشعور بالقدرية وبالقناعة من ان المشكلات التي نعيشها لا يمكن حلها مهما فعلنا; والخطر الثاني هو التطرف في الفكر سواء التطرف اليساري أو اليميني أو البيئي, والاعتقاد بأن المؤسسات السياسية الحالية لا تعمل بأقصي قدراتها ولذلك يجب تدميرها تماما. ولكن بينكر لا يتصور أن التقدم معناه العيش في عصر من اليوتوبيا او المدينة الفاضلة, لأن في الوقت الذي تضاعفت فيه نسبة الثراء فإنه لازال هناك700 مليون انسان يعيش في فقر مدقع; ولكن ما يراه بينكر ويقتنع به هو أن المرء الذي يستطيع توقع المستقبل يستطيع أن يحققه; وإن كان هناك بعض الجوانب التي لا تصل الي الكمال, إلا أنه يمكن تحسينها تدريجيا, وبالعمل عليها خطوة بعد خطوة. ويعطي مثلا علي ذلك فيما يتعلق بتوقع الزلازل, فإن كنا لا نستطيع منعها أو منع نتائجها المدمرة, فإننا علي الأقل نستطيع أن نخفض نسبة هذا الدمار. بالرغم من ظهور التطرف سواء علي المستوي الشعبي او السياسي, مثل فوز دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة,, الحدث الذي رفع نسبة الإحباط عند الغالبية العظمي من الرأي العام العالمي, إلا أن المفكر الامريكي/ الكندي يؤكد أن العالم أصبح أكثر إدراكا لضرورة تغيير حياة البشر الي الأفضل, لنكون أكثر صحة وسعادة وحرية ومعرفة وحبا وثراء في التجارب. التفاؤل شئ إيجابي, لأن ما نبثه في الكون لابد أن يعود إلينا. وكلما أطلقنا مشاعر التفاؤل والايجابية, بالضرورة ستعود علينا بأحداث إيجابية. ولكن من أجل دعم مشاعر التفاؤل لدينا يجب أولا تجاهل كل أنواع الأخبار التي تبثها وسائل الإعلام.