مؤتمر ميونيخ الأمني أهم محفل أمني يتم تنظيمه علي أساس سنوي, انعقد لأول مرة سنة63 باسم مؤتمر ميونيخ للدراسات العسكرية, في أجواء الحرب الباردة, واستمر بعد ذلك وتطور مع مستجدات الساحة الدولية... ويشارك فيه مسئولون,( رؤساء دول, وزراء دفاع وخارجية, سكرتيرات عموميون لأحلاف, نواب برلمانيون, تكنوقراط) وخبراء ونشطاء من دول غربية بالأساس وحلفائها وبعض محاوريها مثل الصين والهند والبرازيل ودول عربية, إلا أنه حريص علي استقلاليته- النسبية طبعا- وجدير بالذكر أن الولاياتالمتحدة وألمانيا حريصتان علي إنجاحه وأن حضورهما مكثف وعلي أعلي مستوي. يلقي بعض المسئولين خطبا يتناولون فيها القضايا الاستراتيجية والأمنية التي تهم بلادهم ثم يردون علي الأسئلة, علي سبيل المثال تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي لمدة ربع ساعة تحدث فيها عن إيران فقط, ثم رد علي الأسئلة لمدة ربع ساعة, ولم يتطرق إلي القضية الفلسطينية إلا ردا علي سؤال. وتنظم حلقات نقاشية تتناول قضايا الساعة( عامة من المنظور الغربي), يتحدث فيها المشاركون لبضعة دقائق ثم يتحاورون ويردون علي أسئلة القاعة لمدة ساعة أو أكثر قليلا, وهذه الحلقات بالغة الأهمية, لأن ما يقال فيها يعطي مؤشرات علي فهم وتصورات المسئولين للقضايا المطروحة وما استخلصوه من قراءة مئات الصفحات من التقارير التي ينتجها كل من الحلف الأطلنطي ومنظمة الاتحاد الأوروبي وبيوت الخبرة, كما أنه يعبر عن أمالهم ومخاوفهم وتوجهاتهم, ويعين الخبراء علي تشخيص الصعوبات التي تخفيها التقارير الرسمية, علي سبيل المثال تطرح السياسات الدفاعية الأوروبية المتجهة إلي مزيد من التنسيق والدمج وتوحيد المعايير أسئلة حول الردع النووي لقوات الناتو هل الردع النووي الأوروبي سيكون مستقلا أم لا ومزايا وعيوب الصيغ المطروحة. والأهم من ذلك ما يدور في الكواليس من لقاءات ثنائية وثلاثية بين مسئولين وخبراء من دول ومنظمات شتي, فهي تقوي العلاقات الشخصية وتسهل تبادل المعلومات والتعبير عن الانطباعات والتشاور, وتفصيل ذلك أن الملفات الأمنية كثيرة ومرتبطة ببعض( علي سبيل المثال الإرهاب والأمن السيبر, العلاقات مع روسيا والأمن السيبر), ويقتضي كل ملف أمني الإلمام بألاف التفاصيل ويكون من الصعب علي الخبير والمسئول الإلمام بكل الملفات, وبرؤي الأطراف المعنية, ويشكل المؤتمر فرصة ذهبية لاطلاع سريع ودقيق نسبيا علي ما تم في بعض الملفات البعيدة نسبيا رغم أهميتها عن رؤية كل مسئول ولتصحيح بعض التصورات الخاطئة. لا يصدر عن المؤتمر بيان ختامي ولا توصيات, حيث يقدر المنظمون أن هذا المنع يسهم في تعميق حرية المشاركين في طرح الأفكار ودحضها, ويسبقه إصدار تقرير عن الوضع الأمني يوزع سلفا علي الحاضرين ويكون أساسا من أسس النقاشات, وإضافة إلي هذا التقرير السنوي تم إعداد تقرير عن( سياسات) الدفاع الأوروبي لأن سنة2017 حفلت بالمستجدات, يأتي علي رأسها إطلاق مبادرة ييسكو للتعاون الدائم الهيكلي, الذي لن يقتصر علي التنسيق في الجوانب العملياتية واللوجستية وفيما يتعلق بتنظيم مرور القوات في دول أوروبا, ولكنه سيشمل أيضا سياسات الاستثمار والإنتاج في مجالات التصنيع الحربي والتكنولوجيا. تقرير سنة2018 معنون: أمام حافة( الهاوية) والابتعاد عنها وينقسم إلي خمسة أقسام, النظام العالمي علي حافة الهاوية؟ ثم فصل يتناول تطور سياسات وتموضع الفاعلين الكبار, أزمة الوحدة الأوروبية, الولاياتالمتحدة واحتمالات الانعزال, الصين وقائدها جزي, روسيا وقوة الدبة, ويتطرق الفصل الثالث إلي المناطق, أوروبا الوسطي والشرقية, داخلة أم خارجة( المنظمات), أفريقيا, الشباب والذين لا يهدأون ولا يصبرون, الشرق الأوسط, نادي الدول الخليجية وبلاؤهم, وموضوع الفصل الرابع بعض القضايا, الأمن البيئي, الأمن السيبرياني, الأمن النووي ومآل نظم منع الانتشار, والفصل الخامس يرصد12 كتابا مهما منها كتاب عن مستقبل الحرب للمفكر الكبير لورانس فرديمان وكتاب عن العلاقات بين تركيا والغرب, وكتابان عن السيبر والعلاقات الدولية والأمن, و12 تقريرا يوصي بقراءتها. لا يتسع المجال هنا لمناقشة ما هو ثابت وما هو جديد, ولكنه من الملفت ما قاله بعض الحاضرين عن عودة الخطر النووي واستحقاقاته, ضرورة إحياء التفكير الإستراتيجي النووي وتجديد التصورات حول التجارب والتدريبات, واحتل موضوع الأمن السيبرياني موقعا مهما في المناقشات والدراسات, لشدة خطره علي الحياة اليومية لمئات الألوف بل علي حياتهم, ولصعوبة بناء دفاعات( هناك من ينادي ببناء قوة ردع وعدم الاكتفاء بالتركيز علي الدفاع) وكشف الجهة المعتدية كما تناول الكثيرون تحديات ومعضلات سياسات الدفاع الأوروبية, لأنه من الضروري عدم الاكتفاء بزيادة حقيقية ومطردة للميزانيات, بل يجب الحرص علي التنسيق فيما يتعلق بالتصنيع وعدم التأخر التكنولوجي عن الولاياتالمتحدة في كافة المجالات لكي لا يتأثر الحلف الأطلسي بفجوة تكنولوجية قد تزداد, أو بتفتيت الجهود. وهذا المجهود الأوروبي ضروري لسبب سياسي داخلي, إذ يري أغلب الرأي العام الأوروبي أن الوحدة الأوروبية أضرته اقتصاديا, ولذلك يحاول القائمون علي الأمر إبراز أو إيجاد مزايا عسكرية لتلك الوحدة. ومن الملفت للنظر قول مسئول كبير, الحلف الأطلسي حلف عسكري, الوحدة الأوروبية تنظيم مدني, ولكننا في عصر لم تعد فيه الحدود بين المدني والعسكري واضحة, ولذلك يجب توثيق التعاون بين الهيئتين.