من الصعب تفسير وفهم هذا التباطؤ في اتخاذ قرار بديهي ومنطقي وسهل بتحديد الحد الأقصي للأجور, وليس معقولا أو مقبولا استمرار التفاوت الكبير في الوقت الذي تعاني فيه الدولة من عجز بالموازنة كان سيدفعنا للاقتراض الخارجي ولكن جري العزوف عنها في اللحظات الأخيرة, وأيا كانت الحلول البديلة فان الحقيقة الأهم ستظل في ضرورة وقف ظاهرة الثراء من المال العام والتي أوصلتنا لما نحن فيه من قضايا فساد تفوق الوصف والخيال, وتعثر اقتصادي يحتاج الي الشفافية الكاملة حتي يمكن للفئات المحرومة أن تصبر قليلا. لقد آن الأوان لكي نطوي الأسلوب القديم القائم علي تسليط الضوء لنوعية منتقاة من القضايا وتمثل الجزء الضئيل من الصورة الأشمل, فاذا بالجدل والحوار ينصب علي الحد الأدني من الأجور ونسمع عن العقبات والصعوبات, في حين ينعم البعض من المحظوظين داخل الوزارات والهيئات والأجهزة الحكومية والمؤسسات بمزايا ومرتبات وسفريات ولجان وغيرها من مسميات لتصل الي مبالغ طائلة. لم يعد الأمر قابلا للاستمرار وقد تكون هناك بعض الجهود لخفض المبالغ ولكننا نتحدث عن قرار واضح وملزم بتحديد الحد الأقصي ليس للدخل فقط وأنما لأية أموال تأتي لنفس الشخص طالما أنها من المال العام, والأمر المؤكد أن ما سيتم توفيره سيعين علي سد جزء مهم من عجز الموازنة في حين يبقي المعني الأهم للمواطن أن أجواء الفساد قد انتهت وطويت صفحات الثراء الحرام من المال العام. كيف يمكن لهذا المواطن أن يقبل وقوفه ومعاناته لساعات طويلة لتأمين احتياجاته الأساسية والضرورية من رغيف الخبز المدعم وأنبوبة البوتاجاز ويناضل لرفع الحد الأدني الي سبعمائة جنيه في الوقت الذي تصل فيه مرتبات الإدارة العليا والبطانة من حولها والأصدقاء والمعارف والمحاسيب في اللجان وخلافة لأكثر من مائة ألف وربما أضعاف هذا المبلغ؟, وهو ما يفسر أيضا ذلك الثراء الفاحش الذي تكشف عنه التحقيقات الجارية في قضايا الفساد. في مصر بعد الثورة وفي ضوء الظروف والاعتبارات الحالية, هل يمكن أن يتجاوز دخل الفرد أكثر من عشرين أو ثلاثين ألف جنيه؟ وقد يعترض المواطن لأن المبلغ المقترح كبير ولأنه لا يعرف حقيقة ما يجري!