عندما قطع المحتجون شارع قصر العيني قرب ديوان مجلس الوزراء مؤخرا تصدت لهم الشرطة ووحدات من الشرطة العسكرية وألقت القبض علي عدد منهم من بيهم حوالي عشرة فلاحين قدموا للتحقيق بموجب القانون الأخير لتحريم التظاهر وحيث أصبحت المظاهرات الاحتجاجية ظاهرة اعتيادية منذ ثورة25 يناير إلا أن انخراط الفلاحين فيها بدا شيئا جديدا يلزم فهمه والبحث عن أسبابه الحقيقية دون تسطيح أو تعقيد خصوصا وأنهم لم يشاركوا في الثورة إلا بمشاهدتها عبر الفضائيات. فالفلاحون هم الفئة الوحيدة في المجتمع المحرومة ليس من المرافق والخدمات واهتمام الدولة فقط بل من تنظيم نقابي مستقل يضمهم ويوحد كلمتهم ويضبط حركتهم ويحول دون استمرارهم مبعثرين فاقدي الاتجاه. ولأن التنظيمات النقابية هي السلاح الفعال الذي يدافع به الفلاحون عن حقوقهم المهنية في كل بلاد العالم ويفتقده الفلاحون في مصر, ولأنهم يفتقرون للوعي السياسي وللمناصرين الشرفاء المقتنعين بقضيتهم وللمحامين الحقيقيين المدافعين عنهم في ساحات المحاكم وأمام جهات التحقيق وللمستندات والمعلومات التي تثبت حقوقهم, فقد أصبح خروجهم من قراهم إلي المدن متحفزين مؤشرا علي أن سيلهم قد بلغ الزبي وبات حالهم لا يحتمل, فالبطون خاوية والأمعاء ملتفة علي بعضها لأن الريف يعيش مجاعة حقيقية ويئن ويتوجع علي الدوام.. وكف منذ زمن عن ترديد أغنية محلاها عيشة الفلاح. وعندما يستأجر قطاع منهم أرضا يزرعها بإيجار باهظ من بعض أغنياء الريف وحكامه المحليين فذلك أمر مفهوم أما عندما تكون الدولة هي التي تؤجرها له بهذا السعر فالأمر يختلف, وعندما تكون هيئة الأوقاف هي ممثلة الدولة فيجب أن نتوقف ونراجع أنفسنا ونعيد الحساب والأنكي والأمر مما سبق هو قيام الهيئة بتحصيل إيجار للأرض التي بنوا عليها مساكنهم واشتروها كمنافع للأرض الزراعية التي ملكتها لهم الدولة بقانون الإصلاح الزراعي, ولا يمكن توصيف هذا التصرف إلا بأنه عملية نصب واحتيال في وضح النهار تقع تحت طائلة القانون الجنائي.. وينطبق الوضع تماما علي الفلاحين المستأجرين للأرض التي تديرها هيئة الأوقاف التي تتعامل مع الفلاحين بمنطق المرابي الذي لا هم له سوي جني الأرباح والفوائد بمنطق جابي الضرائب الذي لا يستهدف سوي تحصيل المعلوم مهما يكن التقدير جزافيا, مع أن وظيفتها الأساسية هي إغاثة الملهوفين ورعاية المحرومين والفقراء والاهتمام باليتامي وأبناء السبيل ودور العبادة لتكون هيئة للإنصاف. ويعد هذا مجرد سبب واحد من أسباب كثيرة تدفع الفلاحين للإنفجار, لذلك فخروج بعض فلاحي الأوقاف محتجين أمام مجلس الوزراء كان شيئا منطقيا وكان صدهم وإغلاق الأبواب في وجوههم مبررا دفعهم إلي شارع قصر العيني يفسره ما يتعرضون له من ظلم وما يعانونه من جوع وقهر, ولأن قضيتهم عادلة وواضحة ولا يجدون لها حلا, ولأن أباطرة هيئة الأوقاف يتلاعبون بهم ولا يتصورون ان الدجاجة التي تبيض ذهبا قد تمردت وأصرت علي ان تكون مثل بقية الدجاج. لذلك لا يتحمل وزرهم سوي هيئة الأوقاف فهي المسئولة عن أسباب الاحتجاج وعن القبض عليهم والتحقيق معهم لأنها اعتادت علي خرق القوانين وعلي سلب صلاحيات هيئات أخري كالإصلاح الزراعي التي لا تمثل قصة ابتزاز فلاحي الشرقية والإسماعيلية إلا مثالا مكررا في محافظات أخري نقطة في بحر.. لدينا منها الكثير.