حين شاهدت عرض سلم نفسك, الذي يقدمه ستوديو مركز الإبداع الفني حاليا علي مسرح المركز بساحة دار الأوبرا المصرية, من صياغة وإخراج الفنان خالد جلال, وهو نتاج أو مشروع تخرج الدفعة الثالثة من ورشة الارتجال والتمثيل المسرحي التي يشرف عليها جلال باقتدار, واستطاع أن يحولها إلي مدرسة حقيقية لتخريج المواهب ومصنع للنجوم يضخ الدماء الجديدة في شرايين الفن المصري أدركت أنني فاتني الكثير من المتعة والفن الراقي بعدم مشاهدة العرضين اللذين قدمتهما الدفعتان السابقتان, هبوط اضطراري وقهوة سادة, واللذين كان هناك ما يشبه الإجماع علي تميزهما, وأكبر دليل علي ذلك أنهما شهدا تفريخ معظم النجوم العاملين علي الساحة حاليا. وبعيدا عن المقارنة مع العرضين السابقين, الثابت أن العرض الجديد أطول, حيث يتجاوز الساعتين, بل إن جلال أعلن أن نتاج ورشة الارتجال التي شارك فيها تلاميذه كان من الممكن أن يصنع عرضا مدته26 ساعة لو ترك كما هو, لكنه تدخل بخبرته ليكثفه ويقلص مدته إلي ساعتين فقط.. ويعني ذلك أن هناك جهدا خرافيا بذله بحماس وحب شديدين وواضحين علي خشبة المسرح 27 ممثلا وممثلة علي مدي شهور طويلة في تلك الورشة. ولكي تقدر حجم المجهود المبذول, يكفي أن تعرف أنه لا يقتصر علي التمثيل والارتجال فقط, بل يتولي شباب الورشة بأنفسهم تغيير ديكورات العرض في الفواصل بين الاسكتشات أو الفقرات في مدة لا تتجاوز ثوان معدودة وبمهارة شديدة في ظلام المسرح دون أن يشعر الجمهور بطبيعة الحال رغم قرب المسافة بين المقاعد وبين الخشبة, فضلا عن أنهم يساعدون بعضهم البعض في تغيير الملابس في ثوان معدودة أيضا وفي جميع الاستعدادات والإكسسوارات, مما يشير لحجم وطول فترة التدريب الذي تلقوه, ويؤكد علي تمجيد فكرة روح الفريق أساس العمل في المسرح في تلك الورشة الناجحة. الجديد, والمدهش أيضا, أن خالد جلال في هذه الدفعة لا يكتفي بتقديم ممثلين يجيدون مختلف الألوان الكوميدية والتراجيدية والاستعراضية, بل قدم أيضا كتاب أغان وملحنين وموزعين ومطربين, حيث تولي بعض شباب الورشة كتابة وتلحين وتوزيع وأداء معظم أغنيات العرض, وجاءت كلها متميزة أو علي الأقل مختلفة, وأعجبني منها بشكل خاص الشائعات, كلمات وألحان وتوزيع وغناء أحمد كيكار, والطاقة السلبية, كلمات وألحان وتوزيع وغناء أمجد الحجار, ولو فاتك حلم, كلمات أحمد فوزي وأمجد الحجار وألحان وغناء شريف عبد المنعم. يدور العرض حول فكرة رئيسية أظنها مهمة, وهي مواصفات الإنسان المصري الذي يصلح للدولة الجديدة في المستقبل, وبيان مدي استحقاقه لهذا المستقبل من خلال استعراض عدد من ملفاته في الماضي في عدد من الإسكتشات أو المواقف الدرامية التي تتكون منها فقرات العمل المتتالية.. وتظهر هذه الملفات أنه إذا كان الماضي مليئا بالسلبيات فإنه لا يخلو من إيجابيات عظمي تؤكد أن الإنسان المصري مؤهل للمستقبل, وأهمها الانتماء للوطن والاستعداد التام للتضحية بالنفس من أجله. وتنفجر كوميديا العرض بخفة ظل شديدة في المواقف الدرامية التي تستعرض السلبيات المشار إليها, ومنها الفهلوة وإفتاء المرء فيما لا يعرف وإنفاقه فيما لا يفيد, ويحسب لأبطال العرض ولخالد جلال هنا تقديم كوميديا راقية دون ابتذال أو لجوء للإفيهات الجنسية وغيرها من الأساليب الرخيصة المعروفة لإضحاك الجمهور.. كما أن هناك سلبيات تمت معالجتها في مواقف تراجيدية مثل عقوق الأبناء. ليس هناك مجال للحديث عن عناصر متميزة عن غيرها من بين هؤلاء الشباب, فالجميع متألقون وواعدون, والجميع شاركوا في تقديم المتعة والفن الراقي تمثيلا وغناء ورقصا مجانا للجمهور في تلك المدرسة المسماة ورشة مركز الإبداع الفني بقيادة الناظر خالد جلال, لكن هناك من حصلوا علي مساحات أكبر نسبيا من زملائهم علي خشبة المسرح, ونالوا بالتالي فرصة أكبر لإظهار مواهبهم ولفت نظر الحاضرين, ومنهم أمجد الحجار ورشا مجدي وهدير الشريف والسارات الثلاث هريدي وعادل وسلام ونديم هشام وعادل الحسيني وأحمد الشاذلي وعبد العزيز حسين.