موسم كسر قصب السكر علي وشك أن يبدأ في محافظات الصعيد إن لم يكن قد بدأ بالفعل في حقول قري الصعيد الجواني مثل قري كوم أمبو وإدفو وأرمنت وخلال الأيام القليلة المقبلة تكون مصانع السكر السبع في جرجا ونجع حمادي ودشنا وقوص وأرمنت وإدفو وكوم أمبو قد دارت عجلات عصاراتها وبدأت في إنتاج السكر السلعة والغذاء الاستراتيجي الذي لا غن عنه. وعادة ما كان موسم كسر القصب في قري صعيد مصر بمثابة عيد يدخل البهجة ويثير السعادة في نفوس زراعه وعماله فهو الموسم الذي يبدأ فيه النشاط بعد خمول أغلب شهور الصيف بعد أن يصل المحصول إلي البقاعة التي لا تحتاج إلي خدمات اللهم إلا ارتوائه بالماء فقط, والنشاط يلتأم في شمله أصحاب الزراعات وعمال الكسر والشحن وكذلك العمال التملية الذين يعملون في مصانع السكر بدءا من تشغيل المصانع حتي نهاية الموسم الأمر الذي يشكل دخلا اقتصاديا يسهم في قضاء حوائج الناس حيث تتم الأفراح والزيجات وطهور الأولاد خلال الموسم وكذلك كسوة الشتاء وشراء الكثير من لوازم الحياة وعلي مدي حوالي خمسة أشهر لا تهدأ الحركة في المصانع والمزارع بما يمثل جانبا كبيرا في نشاط المحافظات التي تزرع قصب السكر واقتصادياتها, وكما قلت في أول هذه السطور فان موسم كسر القصب يمثل البهجة والسرور ولكن ذلك كان في زمن مضي يوم أن كان الحال غير الحال عندما كان سعر طن القصب لا يتجاوز الأربعين جنيها حيث كان أجر العامل الزراعي لا يزيد علي العشرين قرشا يوميا وأجرة الجمل ومن يقوده لا تتجاوز الخمسين قرشا وسعر جوال الكيماوي السماد لا يتجاوز المائة وخمسين قرشا أما الآن فان القصب لا يوازي هموم زراعته وكسره ونقله إلي المصانع, فالعامل الزراعي الآن أصبح عملة نادرة فهو لا يتحرك إلا إذا قبض يوميته مقدما واليومية لا تقل عن سبعين جنيها وهو لا يعمل أكثر من خمس ساعات تبدأ في السادسة صباحا وعندما يستمع إلي آذان الظهر من خلال مكبرات الصوت بالمساجد حوالي الحادية عشرة والنصف يغادر الحقل علي الفور ويا ويله من يعترض علي ذلك من المزارعين إذ سيقول له العامل إذا لم يكن ذلك يعجبك فابحث عن غيري ويا ليت الأمر ينسحب علي مجرد الأجر اليومي بل لابد من أكواب الشاي ولفائف السجائر تقدم أكثر من مرة للعامل إضافة إلي أجور عمال الشحن وأجور الجمال التي تحمل القصب من الغيط إلي عربات الشحن, وبعد العناء القاتل في عمليات الكسر والشحن يفاجأ المزارع بأن الحمولة التي قدرها بعدد معين من الأطنان تأتي مخيبة للآمال عندما توزن في المصنع فهي تقل بعض أطنان عن تقدير المزارع الذي يكون من حوله من المزارعين قد نظروا بعين الحسد لحمولة عربة الشحن وأن الرجل أجاد في شحن محصوله. ونأتي بعد ذلك إلي إلي المعاملة المادية مع الشركة التي تدفع ثمن المحصول بالقطارة فالمزارع يتقاضي جزءا من ثمن المحصول بعد بضع أسابيع من تسليم المحصول ولا يقبض الثمن إلا بعد انتهاء الموسم.. أما ثالثة الأثافي فتتمثل في ثمن طن القصب الذي لا يتعدي ستمائة جنيه فهو ثمن متندني للغاية وقد كان المزارعون ينتظرون زيادة سعر الطن عندما علموا أن هناك لجنة مكونة من مسئولي وزارة الزراعة ووزارة التموين وشركة السكر للنظر في هذه الزيادة وقيل أن ثمن الطن سيصل إلي800 جنيه في حين أن المزارعين ينتظرون سعرا لا يقل عن الألف جنيه للطن خاصة وان ربحية الفدان الذي يزرعه مزارع شاطر لا يتجاوز العشرة آلاف جنيه, وناهيكم عن تقاعس معاهد البحوث في استنباط أصناف جديدة للقصب بدلا من تلك التي أكلها السوس لطول عمرها الذي وصل الآن إلي سبعين عاما. وانني احذر من الآن أنه لابد من نظرة ايجابية للقصب وزراعه وإلا جاء وقت سينصرف الناس عن زراعته بما يؤثر بالسلب علي صناعة يعمل بها آلاف الموظفين في سبعة مصانع منتشرة في الصعيد. ويا حكومتنا الرشيدة رفقا بزراع القصب!