غبت أكثر من عشر سنين عن حضور مؤتمر أدباء مصر, كان اسمه مؤتمر أدباء مصر في الأقاليم, ثم رأي بعضهم أن هذا تصنيف غير عادل, ويتسم باستعلاء يمثله ثقل القاهرة, فأطلقوا عليه مؤتمر أدباء مصر, هكذا تركته قبل عشرة أعوام أو يزيد, ثم عدت إليه هذا الأسبوع وقد أصبح المؤتمر العام لأدباء مصر. ولكن التسميات المختلفة لم تغير شيئا في بنية كيان لا يزال يراوح مكانه, يراوح نفسه ولو عقد في منتجع شرم الشيخ. غابت وجوه أحبة, وحضرت وجوه جديدة, وبقيت مقولات وقضايا قديمة يعاد تدويرها, وكأن مصر لم تشهد ثورة شعبية في25 يناير2011, رفعت سقف الآمال إلي سماوات علا, وسرعان ما ارتطمت بانتكاسات وخيبات أمل, وما تلاها من إحباطات تعد بما تعد به في القادم, إذا الشعب يوما أراد. بلغ المؤتمر دورته الثانية الثلاثين(1815 ديسمبر2017), ولكن اتخاذه عنوان التأسيس الاجتماعي للأدب ربما يوحي بأن انعقاده السنوي هو الغاية, وأن استيفاء الشكل أهم من المحتوي, وبدلا من تفاعل المؤتمر مع الهموم العامة والقضايا الثقافية فإنه جنح إلي شيء من الأمان, واختار محورا يمكن أن يكون عنوانا لأي من دوراته الأولي قبل ثلاثين عاما, أو لدورته الأربعين حين يبلغ سن النبوة, وينظر إلي تاريخه ببعض من الغضب اللازم لإعادة النظر. لو كان لمنصف أن يختار عنوانا لمؤتمر يعقد هنا والآن لكان لماذا تفشل الثورات؟, السلطة الثقافية في أزمنة الردة الثورية, العلاقات الخفية بين الاستبداد والإرهاب, الثورات الشعبية في مصر عبر العصور مع الاحتفاء باسم الدكتور حسين نصار مؤلف كتاب الثورات الشعبية في مصر الإسلامية, وهو أكثر صلة باللحظة المصرية المرتبكة من الدكتور طه حسين شخصية هذه الدورة. ولكن المؤتمر أو أي نشاط عمومي, حين يكون فرضا سنويا لا اختيارا حرا وقت الضرورة, يصير عبئا, جثة عزيز لا بد من إكرامه. المؤتمر العام لأدباء مصر ليس مؤتمرا عاما للأدباء, ولا يمثل جمعية عمومية, فالكثير من الأدباء لا ينتمون إلي الأندية الثقافية أو اتحاد الكتاب, وهكذا يظل العنوان الأكثر دقة مؤتمر أدباء مصر في الأقاليم; فأغلب الحضور أعضاء في أندية الأدب التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة التابعة لوزارة الثقافة, وهناك آخرون تختارهم الأمانة العامة للمؤتمر, وهي مكونة من أدباء ترشحهم أندية الأدب في عموم البلاد, ويتم اختيارهم اختيارا ديمقراطيا في أسوأ تمثيلات للديمقراطية التي لا يمكن الاعتراض عليها, علي السوءات والديقراطية معا, إذ يتساوي في التصويت كاتب متحقق له إنجازات واضحة وتراكم في تخصصه, مع عضو آخر صدر له كتاب أو اثنان, ولو صدرت في طبعة إقليمية محدودة, ولكنها كتب بحكم أرقام الإيداع بدار الكتب. ومما يترتب علي حادث السير الديمقراطي السنوي هذا تكريم من يحار الحضور في تذكر أعمالهم, ممن تسبق أسماءهم في صفحاتهم بمواقع التواصل الاجتماعي ألقاب الشاعر والأديب والناقد, وبمنطق الدور والالتزام بنتائج التصويت الديمقراطي يتولون مهام قيادية في المؤتمر. حين يكون المؤتمر العام لأدباء مصر ملتقي حقيقيا للأدباء, سيمتلك شجاعة تأجيل انعقاده سنتين أو ثلاثا; إذا لم تكن هناك حاجة لإهدار ما ينفق عليه, وفي الوقت نفسه يمكن أن يعقد مرتين في السنة إذا دعت الضرورة, وقد مرت مصر بضرورات تبيح كل شيء, من دون أن يدعو المؤتمر مجرد دعوة إلي عقد دورة استثنائية; جمعية عمومية غير عادية, وذلك لسببين.. أولهما أن مؤتمرا استثنائيا سيكون مقدمة لطرح افتراض تأجيل انعقاده السنوي التقليدي إلا إذا وجدت قضية ملحة توجب هذا الانعقاد, وتوفير نفقات السفر والإقامة. أما السبب الثاني لعدم الانعقاد الاستثنائي فهو تبعية المؤتمر تنظيميا لوزارة الثقافة, وليس لرابطة ثقافية أو اتحاد الكتاب أو أي جهة تتمتع ببعض الاستقلالية, ولكن هذا الاحتضان الاحتوائي الرسمي لا يقيد المجتمعين, ولا يلزمهم بخط أحمر لبيان أو توصية, في منتدي سنوي يشعر فيه المثقفون بقوة رمزية كافية لإصابة أي بنيان هش بالاهتزاز والتصدع, وقد جري هذا مرة غير قابلة للتكرار في دار الأوبرا في أكتوبر2003, حين رفض صنع الله إبراهيم جائزة ملتقي القاهرة للرواية أمام المئات من المثقفين العرب والأجانب. كما حدث في العام التالي(2004), في مؤتمر الأدباء بمدينة الأقصر, وقد أخفي أمينه العام الشاعر يسري حسان كلمته في اختتام المؤتمر, فلاحقه من لاحقه ليعرف ماذا سيعلن؟ ورواغ حسان, ثم أعلن في حفل الختام استقالته مكتفيا بدورة واحدة, لكي يعطي فرصا لتداول سلطة أمانة المؤتمر. لمؤتمر أدباء مصر حسنات كثيرة, أولها الإجماع علي رفض التطبيع مع العدو الصهيوني, وتفاعل بيانه الختامي وتوصياته مع الشأن العربي العام, وفي دورته الأخيرة رفض القرار الأمريكي الذي يعترف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني وأكد أن القدس عاصمة فلسطين الأبدية, معترفا بحق الشعب الفلسطيني في الكفاح والمقاومة من أجل تحرير كامل التراب الفلسطيني, وضرورة إعادة تقييم العلاقات المصرية الأمريكية علي كافة المستويات والأصعدة. ومن توصياته القديمة المتجددة الانتصار للديمقراطية, ودعم الحريات العامة, والمطالبة بحرية كل صاحب فكر ورأي أضير بسببهما بشكل تعسفي يخالف القانون والأعراف الأدبية والأخلاقية. من هذه الحسنات أيضا تكريم رموز الإبداع والفكر إلي جانب المجيدين من الأجيال التالية. أسعدني هذا العام تكريم فريدة النقاش رئيسة المؤتمر, أول رئيسة لهذا المؤتمر. لم أشهد الافتتاح; فالرحلة إلي شرم الشيخ استغرقت إحدي عشرة ساعة, تلاها إزعاج الإقامة في المدينة الشبابية, بناء باذخ ذو طابع فندقي, ولكن الغرف مزودة بميكروفونات مركزية تنقل إليك مناقشات موظفي الاستقبال, وتعليمات لهذا الموظف أو ذاك, في أي وقت يقتحمك مكبر الصوت, هابطا من سقف الأخ الأكبر, ولو بعد منتصف الليل, ولا تسأل عن ذنبك في أن تسمع من يعلن لائما الأستاذ محمد حشمت. فاتت نص ساعة علي الشيفت بتاعك. صح النوم.