القدس, هي قلب الوطن العربي وجزء حميم من وجداننا تحول علي مدار السنوات إلي جرح عميق لا يندمل, وتسبب القرار الأخير للرئيس الأمريكي ترامب- بنقل السفارة الأمريكية للقدس والاعتراف بها كعاصمة لإسرائيل- في التذكير بهذا الجرح, الذي ربما كانت ثورات الربيع العربي ساهمت في إلهائنا عنه لبعض الوقت. اهتم صناع المسرح بمناقشة قضية الصراع العربي الإسرائيلي منذ عام النكبة في1948 والتأكيد في أعمالهم علي تاريخ القدس وأصولها العربية الصميمة, والإصرار الدائم علي أن تظل عربية علي الرغم من ظروف الاحتلال, ومن هذا المنطلق ظهرت العديد من الأعمال عن الناصر صلاح الدين وصراعه مع الحملات الصليبية لتحرير القدس للتأكيد علي تاريخ النضال العربي للدفاع عنها, ومنها صلاح الدين وبيت المقدس التي أخرجها زكي طليمات في العام التالي للنكسة في1968 علي مسرح كيفان بالكويت, بينما قدم الكاتب عبد الرحمن الشرقاوي أكثر من نص مسرحي عن القضية منها النسر والغربان والنسر وقلب الأسد ووطني عكا وتمثال الحرية, بينما كتب محمود دياب باب الفتوح بعد النكسة وصدرت في1974 وقدمها اكثر من مخرج برؤي مختلفة وعلي رأسهم أحمد عبد الحليم وسعد أردش وفهمي الخولي. وينتقد عبد الرحمن الشرقاوي في مسرحية تمثال الحرية بالتحديد, السياسة الأمريكية ويحملها مسئولية ما يحدث في العالم من كوارث وحروب ودمار, وجمع حول تمثال الحرية نماذج لشخصيات تعرضت بلادها لأضرار علي يد أمريكا مثل هيروشيما وفيتنام وفلسطين. وفي مرحلة لاحقة قدم الكاتب يسري الجندي نص واقدساه وأخرجه التونسي المنصف السويسي علي خشبة المسرح القومي في عام1988 من إنتاج اتحاد الفنانين العرب برئاسة سعد الدين وهبة بالاشتراك مع الدائرة الثقافية بمنظمة التحرير الفلسطينية, بينما قدم الكاتب شريف الشوباشي لن تسقط القدس وإخراجها فهمي الخولي من إنتاج المسرح القومي في2001/2002 علي مسرح الجمهورية من بطولة نور الشريف وعفاف راضي ولقاء سويدان وحمادة عبد الحليم ويوسف إسماعيل وموسيقي عمار الشريعي, وتراجع وجود هذه النوعية من الأعمال خلال السنوات الأخيرة فلم نعد نراها علي خشبة المسرح. ويقول الناقد د.عمرو دوارة إن السؤال الحتمي الآن هو: كيفية التصدي لتلك المأساة؟, وكيفية مشاركة المثقفين العرب بصفة عامة والفنانين بصفة خاصة في رصد وتسجيل ومواجهة تلك الأحداث المؤسفة؟, والقيام بدورهم المنشود في نشر الوعي وشحذ الهمم وتوضيح أبعاد المؤامرة لتهويد القدس ومحو هوية شعب بأكمله؟, وكذلك كيفية العمل علي توحيد الصف العربي؟, خاصة أن المسرح وبوصفه جماع الفنون وبما يمتلكه من قدرة سحرية علي التواصل مع الجمهور يكون الأفضل والأسرع تأثيرا في المجتمع. ويضيف أن قضية فلسطين منذ نهايات النصف الأول من القرن العشرين هي القضية المحورية التي شغلت جميع العرب بمختلف مستوياتهم الفكرية وتوجهاتهم السياسية, ولذلك كان من الطبيعي أن ينعكس هذا الاهتمام علي أعمال مجموعة المثقفين والمبدعين بمختلف مجالات الفن والإبداع وفي مقدمتها الفنون المسرحية, وتعددت الأعمال المسرحية التي تناولت قضية الصراع العربي الصهيوني بين أعمال حماسية تتسم بالمباشرة تم إنتاجها بسرعة لتواكب بعض الأحداث السياسية وبين أعمال أخري علي درجة كبيرة من التميز الفني فكتب لها الخلود, وتصدي مسرحنا المصري لقضية الصراع العربي الصهيوني منذ نكبة فلسطين عام1948, كما واكب بعروضه الحروب والمعارك التالية في1973,1967,1956, وكذلك مذابح دير ياسين وصبرا وشتيلا, وبحر البقر, وجنين. ويقول إن أولي المبادرات كانت لتقديم مسرحيات تتناول الصراع العربي الصهيوني هي تلك التي أقدمت عليها فرقة رمسيس حينما قام الفنان يوسف وهبي في موسم1942/1941 بتقديم مسرحيتي الماسونية, والجاسوس ثم أعيد بعنوان الصهيوني في1948, وقدمت فرقة المسرح القومي معها في نفس التوقيت عرضا آخر بعنوان العائد تأليف فتوح نشاطي ونيروز عبد الملك, وإخراج فتوح نشاطي, مشيرا إلي أن الفرقة تناولت الصراع العربي الصهيوني بعد تأميم قناة السويس وأحداث العدوان الثلاثي, و قام مديرها الأديب أحمد حمروش عام1956 بفتح أبواب المسرح مجانا للجمهور, وقدم حفلات نهارية خلال الأيام المصاحبة للغارات الجوية, ضمت ثلاثة عروض هي حياة الخيانة تأليف نعمان عاشور, وإخراج نبيل الألفي, وصوت مصر تأليف ألفريد فرج, وإخراج حمدي غيث, ومش هانسلم تأليف محمد عبد الرحمن خليل, وإخراج فتوح نشاطي. ويقول: كان من المنطقي أن يقوم المسرح بدوره التنويري بعد نكسة1967 القاسية, وشارك أيضا المسرح القومي بدوره الموازي لحرب الاستنزاف, وقدمت العديد من النصوص التي ترفض الهزيمة وتدعو لضرورة الاستعداد للمعركة الكبري بشحذ الهمم والعمل علي رفع الروح المعنوية, ومن أهم هذه العروض كوابيس في الكواليس تأليف سعد الدين وهبة, وإخراج كرم مطاوع, عام1967, ووطني عكا تأليف عبد الرحمن الشرقاوي, وإخراج كرم مطاوع, عام1969, والنار والزيتون تأليف ألفريد فرج, وإخراج سعد أردش عام1970 وقدمت فرقة المسرح الحديث عام1968 عرض أغنية علي الممر تأليف علي سالم, وإخراج أنور رستم. ويضيف أن ملحمة العبور صاحبها عدد آخر من العروض عن الصراع فقام المسرح القوميي بتقديم عدد من العروض منها أقوي من الزمن تأليف يوسف السباعي وإخراج نبيل الألفي عام1973, وصلاح الدين تأليف محمود شعبان وإخراج كمال حسين عام1973, والنسر الأحمر تأليف عبد الرحمن الشرقاوي وإخراج كرم مطاوع عام1975, وباب الفتوح تأليف محمود دياب وإخراج سعد أردش عام.1976 ويشير الي أن قائمة المسرحيات المهمة التي تناولت قضية الصراع العربي الصهيوني تضم كذلك مسرحية لن تسقط القدس لفرقة المسرح القومي عام2002 تأليف شريف الشوباشي وإخراج فهمي الخولي, وواقدساه تأليف يسري الجندي وإخراج المخرج التونسي المنصف السويسي التي قدمها اتحاد الفنانين العرب عام1988 وتبقي تجربة رائدة ومتفردة, وذلك نظرا لتقديمها بعدد من العواصم العربية, بالإضافة إلي مشاركة نخبة من الفنانين الذين يمثلون مختلف الأقطار العربية في بطولتها ومن بينهم الفنانين محمود ياسين( مصر), عزيز خيون( العراق), غسان مطر( فلسطين), محمد المنصور( الكويت), علي مهدي( السودان), إبراهيم بحر( البحرين), زياد مكوك( لبنان), حسين أمين أبو حسنة( السعودية).