شيء من أمل يسكن قلبي هذه الأيام لعله إحساس أخير أتعايش به مع الأيام قبل أن تغادرني, أبحث به عن زمن مضي طويلا حتي هرم قلبي معه حرمانا و شوقا لقطعة مني انتزعها الغدر قسوة و تجبرا قبل أكثر من خمس و عشرين عاما..! وقتها كنت في منتصف العقد الثالث من عمري أعيش أطلال تجربة إنسانية صعبة بدأت بعاطفة جميلة و انتهت بزواج فاشل اعتركته الأيام سريعا و خرجت منه بعد أقل من عامين و أنا موصومة بالنقص و العجز عن أن أكون أما, أجل غادرني زوجي وقتها أملا في أن يكون أبا من غيري و فشلت مشاعرنا في أن تقنعه بالصبر علي حالنا و أن الولد رزق من عند الله يرزقه من يشاء و يجعل من يشاء عقيما. انتهت حياتي معه و عدت للعيش مع أمي التي لم يكن لها غيري فأنا ابنتها الوحيدة و سندها في الحياة بعد وفاة والدي و مرت الأيام ثقيلة سهاد ليلها تضن علي وسائدها بالنوم ضيقا و يأسا حتي التقيت بساب كان تعارفي به في إطار أسري فله بأمي صلة قرابة بعيدة و فوجئنا به يأتينا يوما بمبلغ من المال يقول إنه نصيبنا في ميراث عائلي من قطعة أرض مشاع تم بيعها و تقسيم ثمنها. في البداية كانت علاقتنا تبدو عادية إلا أن حضوره و شخصيته الودودة كان لهما تأثير غريب علي فقد هجرت سهادي و حيرتي و تسرب اليأس مني لأمل جديد انغرست بذوره في قلبي و انشغلت له نفسي, أيقنت مع الوقت أني أحبه بكل جوارحي و أنتظر زيارته لنا كل أسبوع كما اعتاد المجيء و لم يكن بشفيني غير خوفي من أن لا يبادلني حبا بحب أو أن يكون مرتبطا بأخري و لكن مشاعره التي كان يصدرها لي في ود و حنان لم تكن غير أحاسيس رجل اعتبر نفسه مسؤولا عن امرأتين من عائلته لا رجل لهما و لا عائل, و لم تدم حيرتي طويلا فقد بدد القدر خوف نفسي في لحظات كانت ملؤها التوتر و القلق علي أمي التي أوقعها المرض و لم أجد غيره يغيثني و يصحبنا إلي المستشفي, في الوقت الذي كانت فيه أمي تعبر أزمة صحية صعبة كان هو يعبر خجله و حيائه و يخبرني بمشاعر كتمها في نفسه طويلا و لم يعد قادرا علي إخفائها و طلب مني الزواج تتويجا لهذه الأحاسيس..! أرجأته ردي متحججة بظؤوف أمي الصحية و لكن في حقيقة الأمر كنت في حاجة لأن أستجمع شتات نفسي و أستوعب ما سمعته منه, بضع أيام مضت و كأنها لم تمضي بالزمن بضع دقائق خرجت خلتلها أمي من المستشفي و ارتميت في حضنها أبكي مشاعري و خوف من ضياعها فقد اجتاحني هاجس زلزل كياني أني امرأة لا تصلح للحب أو للزواج و أن الأقدار كتبت علي أن أعيش رهن تعاستي ما امتد بي العمر حتي أفارق الدنيا فأنا امرأة عاقر لا ذرية لها و أي رجل يمكنه أن يربط حياته بامرأة لا عقب لها..! و لكن أمي أراحتني بكلمة كانت فاصلا بين ظلام استقرني و نور أشرقت روحي معه, قالت النصيب غلاب يا بنتي و بالفعل غالبت مشاعر تليأس في و أجبت حبيبي طلبه و لكن بعد أن أخبرته بحفيقة أنوثتي المنتقصة فما كان منه إلا أن قال لي دعي الأمل ينمو في داخل يقينا و إيمانا بقدرة الله عز و جل تدب الحياة في أحشائك نبت خير بقدرته سبحانه و تعالي.. و أتممنا الزواج لا تسعني دنياي الجديدة سعادة و حبا و كأن الله سبحانه و تعالي كافأني لصبري و احتسابي حياتي السابقة و ما عشت فيها من ألم و عذاب, و كان فضل الله بي عظيما عندما تحقق الحلم المستحيل و دبت الروح أحشائي وليدا ولدت معه روحا جديدة تعرف الدنيا لأول مرة أما لم يكن لها في يوم من الأيام أن تحلم بهذة النعمة يختصها بها الله و لكنها قدرته عز و جل..! تلونت حياتي ببهجة الصغير أتي إلي الدنيا من أجلي دعوة دعوت الله بها في جوف الليل منكسرة ذليلة طريدة من حياة الرجال لأني أرض بور و ها هي الأرض قد خصبت و أثمرت براءة هي الحلم بات واقعا. كنت وزوجي نبذل الحب جهدا متواصلا لرعاية ابننا تربية و تعليما و حنانا يلطف من حوله قسوة الحياة حتي كبر شابا يافعا نضرة القوة تملأ وجهه و بدنه, متفوقا في دراسته الجامعية حتي تخرج في الجامعة و كان من العشرة الأوائل ما أهله للسفر في بعثة للخارج, و بقدر تلشيب يملأ رأسي رجوته أن لا يغادرني فهو سندي الوحيد في الدنيا فقد رحلت أمي من زمن و رحل زوجي منذ أعوام قبل أن يفرح بنجاحه و لم يعد لي أحد غيره و لكن طموحه و رغبته في السفر كانا أكبر من توسلات شيبي و هرمي..! مضي عني يلهث وراء أحلامه يظلله الدعاء مني و يحميه شر الطريق و بقيت و وحدتي أستعذب الصبر اشتياقا و قلقا لا يرو عطش قلبي غير اتصال يجريه معي ابني كل أسبوع استمد منه رحيق الحياة و زيارة لا تتحاوز شهرا يقضيها معي كل عام و عام بعد عام أخذت المكالمات و الزيارات تتناقص فقد انشغل بحياته في بلد مهجره و اشتغل و تزوج هناك حتي دون أن يمنحني فرحة عمري بيوم زواجه و لا أن ترتسم السعادة علي وجهي بقدوم أول حفيد لي..! لست ناقمة عليه بل أدعو له بالسعادة في حياته و لكنه لم يكلمني أو يأتي إلي منذ فترة طويلة فزوجته لا تحب المجيء إلي هنا, و لكني أعيش علي أمل ينتظر مقدمه يوما و كل ما أخشاه أن تخرج الروح مني دون أن ألقاه و يرتوي قلبي به, لن أقنط من رحمة ربي الذي وهبني الله إياه بعد عجز أن يمنحني فضل رؤيته قبل الرحيل. م. ت. م. القاهرة ما أقسي ما مررتي به سيدتي علي مدار مشوار حياتك و لعل معني الصبر مجردا لهو عنوان تاريخك مع الدنيا احتيابا و إيمانا و لأن قلبك عامر بالإيمان الصادق و اليقين بحكمة الكولي عز و جل في كل مقدؤاتك كانت إرادتك أقوي من كل الصعاب و انتصرتي عليسياج اليأس يساور أيامك فحطمته صبرا و قوة و بعد أن أدمي القدر أقدامك في مستهل العمر امتد الطريق أمامك وثيرا زاهرا ظللته أغصان الحب يطرق باب قلبك من رجل كريم هو العوض و السند و طفل كان هبة من رب العزة نتاج صبرك و تدليلا علي قدرة الله و رحمته الذي بدل العجز بأسباب قدرته وليدا كبر و بات رجلا يملأ الدنيا بشبابه و لعله في رأي كان عليك أن تمري باختبار أخير لهذا الصبر العظيم و الإيكان الراسخ في قلبك الذي لم يحتمل غياب الابن الوحيد و لست معك في افترتض عقوقه و غدر ابتعاده و جفائه فلكل ظروفه في الدنيا لا يعلمها إلا الله و لكن دعيني أقول لكي ألم يكن يسرك أن تريه ماجحا في حياته, أليست سعادته من سعادتك ؟ ربما أخذته الغربة شيئا ما و لكنه سوف يعود لرشده حتما فبالتأكيد أقمت أنتي و أباه علي ت بيته تربية صالحة و لعله يدرك قول الله تعالي: ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا علي وهن, وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير. وإن جاهداك علي أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون لقمان:14-15. و ما جاء في الآية15 من سورة الأحقاف عندما قال تعالي ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا. و من هنا ندرك قيمة الأم التي حملت كرهاو لكنها عاشت من أجله عمرا ألا يحق لها برها و التماس رضاها و لسوف يعي ابنك هذا و لسوف يأتيكي حتما و تريه حلما واقعا فلا تيأسي من عودته أو من رحمة الله.