لم يأت اغتيال الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح أمس علي يد الحوثيين كحدث مفاجئ, بل سبقه مؤشرات ودلائل علي الأرض في إطار النزاع الموجود في اليمن بين النظام الشرعي بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي والحوثيين المدعومين من إيران وحليفهم الراحل علي عبد الله صالح الذي رفض الابتعاد عن المشهد السياسي وتحالف مع المتمردين حتي انقلبوا عليه. وعلي مدار عدة أيام منذ الأسبوع الماضي, تصاعدت الأحداث في اليمن بداية من قصف الحوثيين للمملكة العربية السعودية بصاروخ باليستي باتجاه مدينة خميس مشيط في منطقة عسير, جنوب غرب المملكة ونجحت قوات الدفاع الجوي السعودية في اعتراضه. ثم بعد ذلك شهدت اليمن انقلاب عنصري التمرد, أنصار الحوثيين وانصار صالح علي بعضهم البعض وتصاعد الاشتباكات بينهما مما ادي إلي مقتل نحو250 حوثيا علي يد أنصار صالح. فقد قتل عدد من الحوثيين وأنصار صالح الأربعاء الماضي في مواجهات مسلحة في صنعاء حول مسجد الصالح, الأكبر في اليمن, بوسط العاصمة بعدما سعي الحوثيون الي السيطرة عليه وحاول الحوثيون السيطرة علي المسجد استعدادا لتجمع أنصارهم في ميدان السبعين المجاور, فرفض حراس المسجد المؤيدون لصالح ما ادي الي مواجهات مسلحة اسفرت عن مقتل خمسة من عناصر قوات صالح وتسعة من الحوثيين بينهم قيادي بحسب مصادر طبية. وعقدت القوي اليمنية المنضوية في التمرد الجمعة الماضية محادثات جديدة سعيا لإنهاء الاقتتال الداخلي, والذي زاد من مخاوف تجدد المواجهات. وفي مسعي للتوصل الي هدنة, أعلن حزب المؤتمر الشعبي العام بقيادة صالح أن لجنة مشتركة بدأت المحادثات في صنعاء للتوصل إلي حل يعيد الهدوء للعاصمة. وأكدت الحركة الحوثية أنصار الله, أنهأ أرسلت ممثلين عنها الي الاجتماع. واتهم حزب صالح الحوثيين باستهداف مقر إقامة قريب لصالح, يشغل مركز قياديا عسكريا في القوات الموالية للرئيس السابق, مساء الخميس الماضي. وفي نفس اليوم الجمعة أطلق ميليشيات الحوثي3 قذائف هاون علي منزل العميد طارق محمد عبد الله صالح ابن شقيق الرئيس اليمني السابق في العاصمة صنعاء, وتجددت الاشتباكات بين الطرفين مرة أخري ما اسفر عن وقوع قتلي من الجانبين. وفي مساء الجمعة ذكرت مصادر يمنية أن عدة انفجارات وقعت في الحي السياسي في صنعاء. وتجددت المواجهات بين الحوثيين وقوات صالح في الحي السياسي واندلعت معارك عنيفة بين الطرفين في عدة أحياء من بينها حي بغداد والجزائر والستين الجنوبي, حيث سمع دوي انفجارات عنيفة في معظم أنحاء العاصمة وتبادل إطلاق نار بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة. كما أغلقت عدة شوارع في صنعاء مع انتشار عدد كبير من المسلحين من كلا الجانبين. وبعد فشل المفاوضات تجددت المواجهات المسلحة في صنعاء كما جرت مواجهات قرب مقر اقامة العميد طارق صالح وهو قائد القوات الموالية لعمه علي صالح. وفي فجر يوم السبت الماضي, قتل أكثر من40 عنصرا من ميليشيات الحوثي وجرح العشرات في تجدد المواجهات لليوم الثالث بين شريكي الانقلاب. ودارت الاشتباكات بين حزب صالح( المؤتمر الشعبي العام) وبين ميليشيات الحوثي في الأحياء الجنوبية والغربية للعاصمة صنعاء, وأكدت مصادر طبية وصول العشرات بين قتلي وجرحي من ميليشيات الحوثي إلي المستشفي الجمهوري ومستشفي الثورة ومستشفيات خاصة تديرها الميليشيات, بالتزامن مع اشتداد المواجهات بين الطرفين. وفي نفس اليوم أعلن حزب المؤتمر الشعبي العام حربه بشكل رسمي ضد مسلحي جماعة أنصارالله الحوثية, في الوقت الذي تحدث عن تطهير عدة مناطق من قبضة الحوثيين.ودعا الحزب في بيان رسمي أبناء الشعب اليمني في كل مناطق ومحافظات الوطن, وفي المقدمة رجال القبائل الشرفاء بأن يهبوا للدفاع عن أنفسهم وعن وطنهم وعن ثورتهم وجمهوريتهم ووحدتهم التي تتعرض اليوم لأخطر مؤامرة يحيكها الأعداء, وينفذها أولئك المغامرون من حركة أنصار الله( الحوثيين). ثم بعد ذلك سيطرت قوات حزب المؤتمر الشعبي السبت, علي مبني التليفزيون في صنعاء. ورد قيادي كبير في جماعة أنصار الله الحوثية في اليمن السبت بإن إعلان الحرب من قبل المؤتمر الشعبي وقاحة تستوجب التأديب.جاء بعد ذلك في نفس اليوم رد قوات حزب المؤتمر الشعبي بانها سيطرت علي دار الرئاسة ووزارة الدفاع وجهاز الأمن القومي في صنعاء القديمة, مما اضطر زعيم جماعة أنصار الله الحوثية, عبد الملك الحوثي, إلي دعوة صالح وحزبه, إلي الحوار لوقف الاشتباكات الدائرة بين الطرفين في العاصمة صنعاء. بعد ذلك وفي نفس اليوم تمكنت القوات الموالية لصالح من السيطرة علي مدينتي ذمار وإب بشكل كامل بعد سقوط20 قتيلا من الحوثيين. اشتعلت الاوضاع في نفس اليوم بعد خطاب وحهه صالح أكد فيه أن الشعب اليمني تحرك وقام بانتفاضة ضد العدوان السافر من الحوثي, وقال أن اليمنيون الآن يختارون قيادة جديدة بعيدا عن الميليشيات. ودعا إلي وقف متبادل لإطلاق النار مع ميليشيات الحوثي تمهيدا للحوار, وانه يجب إنهاء كافة الميليشيات العاملة علي الأرض اليمنية, كما تعهد بفتح صفحة جديدة مع المملكة العربية السعودية ودول الجوار, مما اضطر الحوثيين لوصف تحاوره مع السعودية وحلفائها بانها انقلاب علي التحالف والشراكة. وفي ذات اليوم تمكنت القوات التابعة لحزب المؤتمر الشعبي من السيطرة علي مباني سفارات السعودية والإمارات والسودان. ومع فشل الوساطة القطرية لإنقاذ الميليشيات, هددت ميليشيات الحوثي صالح بالقتل, ومع انفراط التحالف وارتفاع قتلي الحوثيين, اقتحمت الميليشيات مكتب الصليب الأحمر الدولي بشارع بغداد بالعاصمة صنعاء.كما نشرت الميليشيات قناصة علي سطح مبني مكتب الصليب الأحمر, في الوقت الذي ذكرت مصادر إعلام يمنية ضبط قوات حزب المؤتمر الشعبي العام أجهزة اتصالات قطرية استخباراتية بحوزة عناصر من الميليشيات. ومع أعلان الحكومة الشرعية اليمنية فتح صفحة جديدة مع كل القوي السياسية في البلاد لمواجهة مشروع الحوثي الإيراني, جاء أعراب المبعوث الأممي الخاص لليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد عن قلقه العميق إزاء تصاعد الأحداث. ولم يمر سوي القليل واستهدفت عناصر الحوثيين الأحد منزل علي عبد الله صالح في قرية الدجاج شمال شرقي العاصمة صنعاء, وشهد محيط المنزل معارك ضارية استخدمت فيها الأسلحة المتوسطة والخفيفة, فيما أجبرت المواجهات التي تجددت في صنعاء الأحد المدارس والمحلات التجارية علي إغلاق ابوابها, مما اجبر صالح للإعلان رسميا عن فض الشراكة مع المليشيات. وأمس أعلنت جماعة الحوثية سيطرتها علي عدة مواقع وثكنات عسكرية لصالح, ثم جاءت أنباء مقتله خلال استهداف موكبه خلال توجهه أثناء هروبه إلي مسقط راسه. رجل التحالفات المتناقضة منذ تنحي الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح عن السلطة في فبراير2012 لصالح نائبه عبد ربه منصور هادي, بعد ضغوط شعبية ودولية كبيرة مارستها دول الخليج للتوقيع علي اتفاق نقل السلطة في ضوء مبادرة رعاها مجلس التعاون الخليجي, وهو يرفض تماما الابتعاد عن المشهد السياسي. وبعد أكثر من6 حروب دامية شنها الجيش اليمني وقت رئاسة صالح ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران والذين يعتبرون أنفسهم مهمشين, إلا أن رغبته الشديدة في أن يظل لاعبا رئيسيا علي الساحة دفعه للتحالف بشكل مفاجئ مع الحوثيين, مستغلا ولاء عدد كبير من قوات الجيش له, متجاهلا ثأر بلاده معهم ومنذ تحالفهم في سبتمبر2014 وانتشرت الفوضي في اليمن. وسرعان ما دبت الانشقاقات في هذا الحلف حتي انهار تماما خلال الأسابيع القليلة الماضية, وبدأ صالح حربا حقيقية ضد المتمردين الحوثيين, لكنها انتهت إلي مقتله. وبمقتل صالح, من المرجح أن يمر الصراع اليمني المحتدم منذ انقلاب ميليشيات الحوثيين علي الشرعية بنقطة محورية قد تغير مجراه بالكامل, فالرجل الذي شهدت مسيرته السياسية تقلبات كبيرة وتحالفات مع أطراف متصارعة, قتل علي يد من كانوا حلفاء له في الأمس القريب. ولم يكن مقتل صالح المحاولة الأولي لاستهدافه, فقد تعرض الرئيس الراحل إلي6 محاولات اغتيال أولاها في يونيو2011 حينما أصيب بإصابات بالغة في الهجوم علي مسجد دار الرئاسة في العاصمة صنعاء, بإطلاق قذائف استهدفت المكان ما نتج عنه مقتل خطيب الجمعة الشيخ علي المطري وعدد من الحرس الرئاسي, ونقل للخارج لتلقي العلاج. وبعد4 سنوات من محاولة اغتياله الأولي, تعرض صالح لمحاولة اغتيال جديدة بعد عودته إلي اليمن عقب علاجه من إصابته في المحاولة الأولي, وفي يونيو2015 تعرض لإطلاق نار من قبل4 ضباط, حسبما أكدت وكالة سبوتنك الروسية, ولكن حراس الرئيس السابق تنبهوا للأمر, واستطاعوا تخليص السلاح من أيدي اثنين من المهاجمين, في حين أردوا الاثنين الآخرين قتيلين. ولم يمر سوي عام وبضعة أشهر حتي تعرض صالح لمحاولة اغتيال جديدة من قبل ميليشيا الحوثي, وتمت محاولة الاغتيال بعبوة ناسفة وضعت له في مسجد بصنعاء, كان يتواجد به, وفشلت بكشف حراساته الشخصية لها ليقوم بعدها الحراس باعتقال ثمانية أشخاص بتلك التهمة, بينهم أحد أئمة المسجد من أصل أربعة, ووضعوا في سجن سري. ولم ينته عام2016 قبل أن يمر عبدالله صالح بمحاولة اغتيال أخري من قبل الحوثيين في أكتوبر, وذلك بعد أن تمت محاصرته بجبل النقم بصنعاء ووقعت اشتباكات بين حراساته والحوثيين ما نتج عنه مقتل4 من حراس الرئيس الراحل و3 من الحوثيين بشارع الخمسين بصنعاء. وأكدت مصادر بارزة وقتها أن الحوثيين اتخذوا قرار تصفية صالح من خلال فرقة خاصة تم تجهيزها لاغتياله تقوم برصد تحركاته. وفي أغسطس من نفس العام, تعرض صالح لمحاولة اغتيال خامسة حين ترقب مسلحين حوثيين خروجه من منزله لتصفيته, إلا أن حراس الرئيس الراحل تدخلوا واشتبكوا مع العناصر الحوثية ما أفشل المخطط الذي كان يعتمد علي تصفية صالح بإطلاق النار علي موكبه لحظة خروجه من البوابة الجنوبية لمنزله للذهاب إلي ميدان السبعين لحضور مهرجان الاحتفال بمرور35 عاما علي تأسيس حزب المؤتمر الوطني. وأخيرا تعرض أمس, لمحاولة الاغتيال الأخيرة بعدما استهدفته ميليشيات الحوثي بقنصه في رأسه.