مع كل يوم جديد, يخرج علينا من الدوحة, من يؤكد أن النظام القطري لن يتغير, وأنه باق علي مواقفه وسلوكياته, ومتمسك بخياراته الإستراتيجية التي وصلت به إلي حالة العزلة التي يعيشها حاليا. كان يمكن لنظام الدوحة أن يحظي بتعاطف الجميع, لو أنه يرفض التغير نحو الأسوأ, كأن يأبي أن يصبح داعما للإرهاب, أو عرابا للخراب, أو مدمرا للبلدان, أو متآمرا علي استقرار الدول والأوطان, ولكن ما يحدث هو العكس تماما, فقطر ترفض أن تتغير نحو الأفضل, ترفض أن تتخلي عن تدخلها السافر في شئون الآخرين, وعن تمويلها وتسليحها للإرهابيين, وعن احتضانها للمخربين والمتآمرين, وعن تحالفها مع الأعداء الطامعين, وعن تحريضها ضد الدول المستقرة وأبنائها الآمنين. إن مشكلة نظام الدوحة الحقيقية تكمن بالأساس في أنه يري المسائل بعكسها, ويقومها بنقيضها, كأن يعتبر الفوضي ثورات من أجل الديمقراطية, والإرهابيين مقاتلين من أجل الحرية, وتسليح المتطرفين دعما للشعوب العربية, والتدخل في شئون الدول الأخري مسألة أخلاقية وقيمية لغايات إنسانية وحقوقية, والتحالف مع الأعداء اعتمادا للواقعية السياسية وكأن يري في التحريض والفبركات الصحفية حرية إعلامية, وفي إيقاظ الفتنة في المجتمعات صحوة إسلامية. إن هذه العقلية التي يدير نظام الدوحة سياساته من خلالها, ليست ناتجة عن الوطنية القطرية, ولا عن الشعب القطري المتمسك بخليجيته وعروبته, ولكن عن الغرباء الذين تمكنوا من السيطرة علي مفاصل القرار في البلاد بعد أن دخلوها لاجئين أو فارين أو متعاقدين علي الوظيفة, ثم تحولوا إلي فاعلين أصليين,يسطرون مخططات الحكم, ويحيكون المؤامرات التي سرعان ما تحولت إلي منهج عقائدي وسياسي للنظام. وما يزيد من حجم الورطة القطرية, أن النظام اعتقد أن الثروة الطائلة ستمكنه من قلب الأوضاع في المنطقة, وربما في العالم,إذ يكفي أن يشتري كأس العالم والمنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي وبعض المسؤولين الدوليين والسلاح وذمم المرتزقة لينجح في الإطاحة بأنظمة المنطقة, وتنصيب أخري موالية له, أو تخريب دول لإعادة بنائها وفق خياراته وحساباته ومصالحه. لقد كان هذا التصور قادرا علي تحقيق اختراقات في عام2011, عندما هبت عاصفة ما يسمي بالربيع العربي, وعمت هستيريا التحولات المصطنعة التي كان يراد لها أن تعم المنطقة بأكملها, أما اليوم, فقد تغير المشهد, وأدرك العرب حقيقة النفق المظلم الذي تم الدفع بهم إليه, ولم يعد بإمكان النظام القطري أن يقنع الشعوب بخياراته,كما لم يعد بإمكان جماعات الإسلام السياسي المرتبطة به أن تخدع المجتمعات وعندما يقول نظام الدوحة إنه لن يتغير, فمعني ذلك أنه يختار البقاء في خضم الفوضي, والاستمرار في مسلسل التخريب الممنهج الذي شهدته المنطقة في2011 وما بعدها, ومواصلة اللعب بالنار والإغتسال بالدم, وكأنه لا يريد أن يفهم أن العالم تغير من حوله, والدرس قد انتهي, انتهي بالفعل. نقلا عن جريدة البيان الإماراتية