تكشف التقارير الأخيرة عن تكرار الاشتباكات العنيفة بين عناصر حركة طالبان ومسلحي تنظيم داعش الإرهابي في شرقي وشمال ووسط أفغانستان, فضلا عن استمرار المواجهات الدامية بين إرهابيي طالبان والقوات الحكومية الأفغانية في مختلف أنحاء البلاد, وكذلك التفجيرات الإرهابية والتي كان آخرها الهجوم الذي شنته طالبان أمس وأودي بحياة7 أشخاص, ما يشير إلي أن أفغانستان لا تزال بعيدة عن تحقيق الاستقرار والسلام المنشود, وكذلك الولاياتالمتحدة عن تحقيق هدفها من التدخل العسكري في هذه البلاد عام2001, والمتمثل في القضاء علي حركة طالبان وغيرها من الجماعات الإرهابية. فبعد مرور ما يزيد علي16 عاما علي التدخل العسكري الأمريكي في أفغانستان, الذي أعقب هجمات11 سبتمبر2001, تبدو الولاياتالمتحدة غير قادرة علي إنجاز مهمتها هناك, فيما لا يبدو أن هناك سقفا زمنيا واضحا لإنهاء هذه المهمة.. بل إن المعطيات والتعقيدات الجديدة التي طرأت مؤخرا علي المشهد السياسي والأمني الأفغاني المعقد أصلا, تجعل الأمور أكثر صعوبة وكلفة بالنسبة للولايات المتحدة من ذي قبل, سواء فيما يخص القضاء علي حركة طالبان, أو علي الأقل إجبارها علي الجلوس إلي مائدة المفاوضات, أو بالنسبة لتحقيق الاستقرار والسلام في ربوع هذا البلد الذي مزقته الحروب الطويلة. وهذا ما يطرح تساؤلات عديدة عن مصير أطول حرب تخوضها الولاياتالمتحدة في تاريخها, وآفاق ومستقبل وأهداف الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان, ولاسيما بعد الإستراتيجية الجديدة التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب, وتضمنت تعزيز الوجود العسكري الأمريكي هناك ورفض وضع جدول زمني لهذا الوجود, فيما بدا مؤشرا علي أن واشنطن تنوي البقاء هناك لفترة طويلة قادمة. فقد فاجأ ترامب الكثيرين بخطته الخاصة بأفغانستان, والتي بدت متناقضة بشكل كبير مع ما كان يطرحه خلال حملته الانتخابية, من أنه سيسعي لاستكمال ما بدأه سلفه باراك أوباما لإنهاء الانسحاب الأمريكي هناك.. إذ إنه فعل العكس تماما, حيث وافق, ليس فقط علي بقاء القوات الأمريكية في أفغانستان بدون سقف زمني محدد, بل فتح الباب لإرسال مزيد من الجنود الأمريكيين إلي هناك.. وطبقا لهذه الإستراتيجية تقرر تعزيز الوجود العسكري الأمريكي بنحو3 آلاف جندي إضافي, فضلا عن مطالبة حلف الناتو بإرسال نحو ألف آخرين من الدول الأعضاء بالحلف. وقد أقر ترامب بأن الإستراتيجية الجديدة تشكل تغيرا في موقفه السابق من الحرب في أفغانستان, لكنه أرجع ذلك إلي أنه وبعد أن درس الوضع الأفغاني من مختلف جوانبه وتوصل إلي قناعة بأن الانسحاب سيؤدي إلي فراغ يستفيد منه الإرهابيون.. لكن مراقبين ومحللين أمريكيين رأوا في هذا التحول في موقف ترامب, انصياعا لرأي قادة الجيش والبنتاجون الذين كانوا يطالبون بزيادة عدد القوات الأمريكية في أفغانستان بهدف كسر الجمود الذي يسيطر علي الموقف هناك حاليا.. ويبلغ عدد القوات الأمريكية في أفغانستان حاليا نحو8400 جندي إلي جانب5000 جندي تابعين لحلف الناتو, يقومون بمهمة دعم وتدريب القوات الأفغانية في حربها ضد طالبان وغيرها من الجماعات المسلحة هناك, وتعزيز قدرات الجيش الأفغاني. وتهدف خطة تعزيز الوجود العسكري الأمريكي إلي دعم القوات ومساندة وتدريب القوات الأفغانية علي تحقيق الاستقرار وبسط الأمن في أفغانستان من ناحية, والضغط عسكريا علي حركة طالبان وتكبيدها خسائر مؤلمة تجبرها علي الجلوس إلي مائدة المفاوضات مع الحكومة الأفغانية.