حسنا فعل الدكتور محمد عبدالعاطي, وزير الموارد المائية والري, حينما أعلن في12 سبتمبر عن فشل وتعثر الاجتماع الوزاري للجنة الفنية الثلاثية المعنية بسد النهضة المنعقد بالقاهرة. وأنه لم يتم التوصل إلي اتفاق بشأن اعتماد التقرير الاستهلالي الخاص بالدراسات, والمقدم من الشركة الاستشارية المنوط بها إنهاء الدراستين الخاصتين بآثار سد النهضة علي دولتي المصب. وأهمية ما أعلنه الوزير, أنه يضع حدا لمسار تطاول في الزمن أكثر مما يجب في حين أنه من المعروف سلفا نتيجة للمراوغة الإثيوبية أنه لن يصل بنا إلي أي نتائج, وإننا لن نذهب من خلاله الي أي مكان.. وإن علي مصر أن تواجه الحقائق مهما كانت, لكي تسلك السبل المناسبة لمعالجتها أو وضع الحلول لها.. والأهمية الثانية لهذا الإعلان الصريح من وزير الري أنه يوجه أيضا رسالة واضحة للرأي العام المصري, بأن هناك صعوبات متداخلة ومعقدة تواجه مصر في هذا الملف, بدلا من التصريحات الوردية المتفائلة التي كان سلفه قد دأب علي إطلاقها بشكل متكرر, والتي لم تكن مبنية علي أي أساس عملي أو موضوعي.. ولم يكن مفهوما مبرر هذا السلوك المخادع, إذ انه يخلق انطباعات غير صحيحة ويغذي ثورة توقعات لدي الرأي العام بان هناك اتفاقات في متناول اليد وسوف توقع قريبا.. كل ذلك لم يكن صحيحا, وكان من شأن الكشف عن زيفه فجأة أن يخلق هزة سياسية في الشارع, ويشعر الناس أنهم في أيدي غير أمينة وأن الأمن المائي لمصر الذي هو جوهر أمنها القومي كان يتم التعامل به باستخفاف ورعونة. في البيان الصادر من وزارة الري, جري الإعلان عن أنه علي الرغم من موافقة مصر المبدئية علي التقرير الاستهلالي علي ضوء أنه جاء متسقا مع مراجع الإسناد الخاصة بالدراسات, والتي تم الاتفاق عليها بين الدول الثلاث, إلا أن كلا من الطرفين الإثيوبي والسوداني لم يبديا موافقتهما علي التقرير, وطالبا بإدخال تعديلات تتجاوز مراجع الإسناد المتفق عليها, وتعيد تفسير بنود أساسية ومحورية علي نحو من شأنه أن يؤثر علي نتائج الدراسات ويفرغها من مضمونها. وهكذا وصلت سياسات المماطلة والتسويف وخلق العقبات وتضييع الوقت التي اتبعتها إثيوبيا وظل السودان يؤيدها علي طول الخط إلي نهايتها المحتومة.. وتحقق لإثيوبيا جزءا كبيرا مما أراداته من أهداف, وهو شغل مصر باجتماعات ومباحثات عقيمة, الهدف منها اجراء دراسات اساسية كان يجب توافرها قبل أن يبدأ البناء في السد وليس العكس. لقد انجزت إثيوبيا حوالي60% من السد حتي الآن, وهي تتنصل بكل الطرق من أي التزام قانوني تجاه سنوات الملء أو سياسات التشغيل, في الوقت الذي أبدت فيه مصر مرونة كاملة وقدمت الكثير من أجل بناء الثقة وإرساء مبدأ التعاون واقتسام المصالح والتشارك في التنمية. غير أن كل ذلك لم يلق أي استجابة من الطرفين الإثيوبي والسوداني اللذين من الواضح أنهما يبيتان شرا. والشاهد أن مصر أثبتت للعالم كله مدي حرصها علي التعاون ومدي قانونية ومعقولية مطالبها التي تتركز في عدم إلحاق الضرر بمصالح شعبها وحقه في الحياه.. وعلينا الآن أن نواجه الحقائق الماثلة بهدوء, وأن نصارح الرأي العام بالنقطة التي وقفنا عندها.. وعلينا جميعا أن ندرك أيضا أنه ليست هناك حلول سهلة ولا سريعة, بل أمامنا مسير طويل.