الله عليك ياخال لما تجلجل بعلو الصوت, ومن قلب الميدان نرجع معاك لأيام زمان بس تتبدل الحكاية والرواية, وبلدنا قاعدة علي الترعة بتغسل شعرها.. جالها نهار بس أخيرا عرف يدفع مهرها. آه.. ياخال والخال والد.. عشت وشفت نصرة بعد النكسة وياريتها كانت وكسة67 لا دي قهرة30 سنة.. ذل وهوان واستسلام وخنوع وسرقة ونصب وفساد ومفسدين. عشت وشفت فاطمة وهي بتستقبل زوجها الأسطي حراجي القط العامل في السد العالي.. بفرحة النصر والانتصار.. بس حضنها كان المرة دي حضن كله شجن وحرية ودفا وحنين. هكذا حدثت نفسي كثيرا طوال الطريق إلي مدينة الإسماعيلية.. رمز الصمود والكفاح.. علي حكاية شعب, والتي لم يكن اختيار الأطباء لها لتكون مقر استقرار الخال بعيدا عن تلوثات قاهرتنا بمحض المصادفة.. فتركيبة هذا الرجل لا تسمح لرئتيه إلا باستنشاق هواء الحرية والكفاح والعند والصمود. هو بلا مقدمات.. الشاعر عبدالرحمن الأبنودي.. الذي عشنا معه يوما كاملا في بيته الريفي وسط خضرة أشجار مدينة الإسماعيلية.. ذهبت إليه ليبوح ولنسمع. نرصد معه عن قرب.. ماذا يحدث في مصرنا الآن.. ما الذي ننتظره بعد ثورتنا العظيمة.. وكيف يري الفترة المقبلة بكل ما تحمله من علامات استفهام وربما غموض.. وما هي حكاية الثورة المضادة التي تتربص بنا في كل مكان.. وماذا ينتظر فنان مثل الأبنودي من شباب وشعب ثورة25 يناير. * ولتكن البداية من عند مصر بعد25 يناير.. وبعد كل التطورات التي تحدث والتي حدثت.. تتجه إلي أين؟ * طرح هذا السؤال به الكثير من التعسف حين يطلب من أحد أن يجيبه جملة برد قاطع.. علي الواقع ومعضلاته وتشابكاته.. وعلي الشعب المصري والاضطراب بين أحلامه ورغباته وقسوة الواقع الذي يعيشه وبيننا نحن كمواطنين قبل أن نكون مثقفين أو مفكرين.. فالجميع يمارس هذه الأرجحة بين اليأس والتفاؤل.. وبين العقل والقلب.. فالقلب يصر علي أن نتفاءل بينما الأحداث تدفعنا لأن نتواضع في هذا التفاؤل.. وأن نشعر باليأس مثل الناس جميعا. ولكن أيضا هناك حقائق لا يمكن إغفالها, وهي أن مصر شهدت ثورة أطاحت بقمة الفساد في مصر, وأن مصر واقفة لتخيف أي فاسد جديد.. وهذا في حد ذاته أعتبره نصف المشوار المطلوب.. أما النصف الآخر ففيه ما يدعو للحزن أحيانا.. وللأسف أحيانا.. ولليأس في أحيان كثيرة.. فهذه الثورة قامت بلا حزب كبير يقودها.. أو بين قوسين هي ثورة فرط وكأنها حدث ميتافيزقي.. لذلك فالإخوان يستغلون ذلك ليقولوا إن الثورة لم تكن صناعة الناس.. بل كانت لإلغاء دور الجماهير تماما.. والبطش بكل العظمة التي عبر عنها الشعب المصري إبان الثورة. لكن مهما كان التعبير الأنقي عن عبقرية مصر وسمو هذا البلد.. فإن بعض الغوغائيين يحاولون طمس معالمه.. لكن لأنها ثورة: فرط وليس لها صاحب محدد فلم يكن من الممكن لها أن تحكم فبحثت عمن يحكم.. ومن هنا بدأت إشكاليات هذه الثورة.. فخرج المجلس العسكري لحماية ومؤازرة الثورة كما اتفقنا.. وبعض مداولات اتفقنا أيضا علي مجيء حكومة الدكتور عصام شرف الرجل المحترم. لكن خلال كل ذلك.. الثورة حتي الآن تعامل كضيف علي ثورتها أو كأن بينها وبين ثورتها لوحا زجاجيا تري من خلاله ما حققته.. وإذا مدت يدها لا تمر بسبب ذلك اللوح الزجاجي.. فتضطر أن تنفجر وتختار الخروج في جمعة بعد جمعة لتصرخ فيستجيب الذين أصبحوا أولي الأمر إلي خروجات أصحاب الثورة إلي الميدان العظيم. وهكذا تحول الأصدقاء إلي السلطة.. وتحول الثوار إلي ما يسمي الائتلافات الثورية كما يطلقون عليها.. وهم أكثر من200 ائتلاف تفرقوا وتبددوا في هذه الكوميونات والتشكيلات الصغيرة.. بينما القوي الرجعية تشقق عنها الأسفلت التاريخي وخرجت كالجحافل منظمة ثابتة.. عاقدة النية علي الاستيلاء علي المستقبل.. ومن هنا بدأ الصراع.. صراع هؤلاء السلفيين والاتجاهات الدينية مع أبناء الثورة إلي جانب من كانوا يرتزقون من الفاسدين وأصحاب الأعمال الذين كانوا يجترونهم ليلعبوا الدور الرئيسي في الانتخابات المزورة وهم من نطلق عليهم البلطجية.. فخرجوا لترويع الناس حتي بدأوا شيئا فشيئا يفقدون ثقتهم في الثورة وفي إمكان أن تصنع لهم شيئا. ومن هنا بدأت تخرج الاعتصامات الفئوية كالبثور علي جسد الثورة ليلعبوا دور الثورة المضادة.. ولأول مرة في حياتي أري عمالا يلعبون دور الثورة المضادة علي ثورة خرجت بالأساس من أجل مصالحهم.. وهكذا صرنا قلة بين القوي الرجعية.. والاعتصامات الفئوية المحتجة.. والبلطجية الذين يعيثون في أرض مصر فسادا.. هذا هو الوضع الموجود الذي يجعلك تبدأ بسؤال: مصر إلي أين؟!! ولو كان أحدنا يعرف مصر إلي أين لكان أجاب.. لكن المؤشرات التي تحدد المستقبل تقول إن الثوار وقعوا في أخطاء اليسار القديمة نفسها.. وهي التحزبات.. والالتفاف حول الذات.. والانقسامات.. والإحساس الشديد بأنهم أصحاب المعجزة.. فصرنا نجد في كل مكان من يقولون إننا من شباب الثورة.. وأنا لا أعلم.. ما معني ذلك؟ وماذا عمن خرجوا في كل ميادين مصر بالملايين؟ أليسوا شباب الثورة أو أصحابها أو أبناءها؟!! ومن هنا انصرف الناس والجميع ينفجر في وجه الجميع مع أقل احتكاك.. لأن هناك إحساسا بين الجميع أن الشيء الأصيل الذي خرجوا من أجله اختطف.. الجوهرة الثمينة التي خرجوا من أجلها ضاعت في الطريق.. والحقيقة أن المشكلات بدأت مع محاولات تقنين الثورة ووضعها في أطر تغير النظام السياسي.. وهذا لأن هدف أي ثورة هو هدم النظام القديم وبناء آخر من الكوادر التي تنتمي إلي هذا الحزب أو التنظيم الذي قام بالثورة.. فمثلا في ثورة يوليو استبدل واستبعد الضباط الأحرار بكل الوجوه القديمة وجوها من الثوار فأحكموا قبضتهم علي الثورة.. أما هنا فقد استعان الثوار بسلة تحمي لك نشيد الثورة.. أو تلك الرقصة الرائعة التي لم تؤد إلي شيء لأنه ليس وراءها حزب كبير ثوري. فلم نهدم جهاز الدولة القديم أو النظام.. فالذي حدث أننا قطفنا رأس الشجرة لكن الشجرة مازالت واقفة ثابتة تنظر إلينا بتحد.. مليئة بالشوك والزجاج والمرار.. وتضحك في وجوهنا. * هل تقصد أننا فشلنا في الثورة.. أو أننا في حاجة إلي ثورة جديدة؟ * الثورة منذ البداية لم تعد ملك الثوار تخلوا عنها طواعية.. ومن تخلوا لهم عن الثورة جاءوا برموز من فئات سياسية أخري موجودة في الواقع لكي تشرف علي التعديلات الدستورية.. ثم تجاوزت هي ذلك لتصنع بنفسها تعديلات دستورية أكثر.. ثم.. ثم.. ثم.. إلي أن أصبحنا نعيش مرحلة الخلاف أيهما أولا الدستور أم الانتخابات.. وما أريد أن أقوله إن الأمور خرجت عن يد الثوار.. وإن الثورة تحتاج إلي ثورة من داخلها لتعيد الثورة إلي الثوار.. وحينها تصبح هذه المرحلة الأليمة التي مررنا بها شديدة الفائدة لأننا تعلمنا ما لم تعلمه إيانا الكتب.. في هذه الفترة القصيرة.. وبالتحديد الأشهر الأربعة.. عرفنا نيات الجميع وبالتالي نحن في حاجة لثورة نتلافي بها كل ما حدث.. ونحذر من كل المتربصين بنا. * وإن كان ما يحدث للثورة كما فهمت من حديثك هو أزمة تربص ونيات.. فكيف تخرج الثورة من أزماتها الان؟ * الجميع الآن يعرف ما في رأس الجميع.. ولا أحد يعرف أكثر من الآخر.. فنحن نعيش مأساة.. وهي أننا نتحاور مع بعضنا البعض.. ونتكلم مع بعضنا البعض.. ونكتب لبعضنا البعض.. ونقيم ندوات مع بعضنا البعض.. والجمهور كالعادة غائب عنا قبل الثورة وبعد الثورة. الشعب المصري ليس موجودا معنا كالعادة.. وحتي الآن لم يتوجه شاب من شباب الثورة إلي عامل أو فلاح ليتحدث معه.. مازال المصنع والمزرعة لا أحد يتحدث فيهما سوي الرجل الملتحي.. والمرأة المنتقبة.. يجب أن يعلم شباب الثورة الموجودون في كل وسائل الإعلام والمؤتمرات وما إليه من هذه الصخب.. اتركوا كل هذا واذهبوا إلي الناس.. أو علي الأقل كونوا علي صلة بمن هم علي صلة بالجماهير.. فلا ثورة بلا جماهير.. واعلموا جيدا أنه لولا هذه الجماهير التي خرجت في يوم28 يناير لكان حالكم كأي احتجاج وأي مظاهرة مسحولين بالمعتقلات.. الجماهير هي الذات الحقيقية للثوار والثورة.. فكيف ترمونهم وراء ظهوركم للتتحول الي نموذج جديد من الحكومة.. أريد من هؤلاء أن يرسلوا مجموعات إلي المحافظات.. أن نفعل كما فعل الإسلام لينتشر لا أن نكتفي بأمتار القاهرة الضيقة.. وننتظر أن نغير العالم من مراكز وأبواق الإعلام.. فذلك يعني أننا نفرط في الثورة ونعطيها لأي عابر سبيل. * لكن تأتينا الإجابة التاريخية بأن شباب الثورة لا يملك السكر والزيت والعلاج وما يمكنه من الذهاب إلي الناس بالمحافظات لمناقشة وحل مشكلاتهم.. والتيار الإسلامي يأخذ عقول الناس أيضا في طريق آخر ينجرفون معه ولا يحتاجون معه لفهم ثقافة حقوقهم.. أليس هذا حقيقيا كما يدعي البعض؟ * لا أريدهم أن يملكوا الزيت والسكر ولا يفترض بهم ذلك.. بل أريدهم أن يفتشوا ويسمعوا ويثقفوا الفلاح والعامل.. ويقوموا بتوعيته بحقوقه.. والحقيقة أن التيارات الدينية غير محبوبة بين الفلاح والعامل.. والفلاح خصوصا لا يحب التيارات الدينية.. الفلاحون يعاملون التيار الإسلامي علي أنهم بشر ضاربين وغير محبين للبشر.. وهم مضطرون لمعاملتهم.. لكن إن سألت أي فلاح؟ فسيجيبك بأنه لا يحبذهم.. فالفلاح الذي عاش عمره كله ينتظر أن يسعد بزيجة ابنه ليخرج عليه أصحاب الذقون ليحرموا عليه ليلة العرس.. ويقولوا ذلك حرام وذلك حلال.. لا يطيقهم ولا يحبذهم.. لأنه يعلم بمنطقه العقلي أن ما يحرمونه ليس حراما وما يحللونه ليس حلالا.. والفلاح لا يحبذ التيار الديني لكنه لا يجد بديلا يدعمه ويستند عليه لو أراد أن يقولها صريحة في وجه التيار الديني أنه لا يريده.. ولا تنسي أن هذا الفلاح هو أول من اخترع القناع في الإنسانية لأنه ولد ووجد فرعونا.. تقولين له حين يمر عليك في الغيط تعال يا عم سماعين كل لقمة.. فيشير إلي آخر نقطة في حلقه ويقوله: والله ياولدي واكل لحد هنا.. وأنت تعلمين أنه جائع.. لهذا أقول أيضا إن أي حاكم يقول إنه يفهم الشعب المصري لابد أن يكون مخطئا خطأه القاتل.. وهذا ما حدث مع حسني مبارك.. والحقيقة أن المرحلة الوحيدة التي خلع فيها المصريون.. خاصة الفلاحين أقنعتهم هي مرحلة عبد الناصر وبعدها عادوا إلي جحورهم مرة أخري.. تأخذين الأرض أو المال لا يكترثون فهو يعلم أن عبدالناصر كان خطأ تاريخيا. * وهل لن يتكرر عبدالناصر في الفترة التالية؟ * من الممكن أن يتكرر في صورة جماعية لا بشكل فرد.. بمعني أن تحدث ثورة إنسانية من أجل الفقراء.. ثورة تريد أن تنهض بشعب ككل وتتحرك به للأمام.. وحينها سنكون جميعا بكل الفئات محبين للشعب المصري.. لهذا يجب في مستقبلنا أن نكف عن التفكير في الفرد.. نحن لا ننتظر رجلا فاضلا نحن ننتظر زمنا فاضلا, عصرا جديدا, به الناس بني آدمين.. وهذا الشعب المصري إن قمت بقلبه علي هذا الجانب يظهر لك أفضل ما فيه.. وإن قلبتيه علي الجانب الآخر يظهر لك أفضل ما في البشر علي الأرض ولا أحد مثله في الخير والإنسانية والجمال.. كما حدث في التحرير ومن كانوا في التحرير أيضا هم من يسبون ويلعنون بمنازلهم الآن.. لأن الظروف هي التي تصنع الإنسان.. لذلك علينا أن نصنع ظرفا إنسانيا يمهد الطريق إلي إنسانية المصريين ويحول دون طمسها ويظهرها.