دائما ما يتردد أن السينما الجيدة تحتاج أموالا, وأن السينما الأمريكية متفوقة بسبب وجود قدر كبير من الأموال مستثمر في تلك الصناعة. وقد زاد انتشار هذا المفهوم من بعد خروج فيلم أفتار. الذي حقق ومازال يحقق إيرادات مهولة كسرت كل الأرقام القياسية علي رأسها تلك التي حققها جيمس كاميرون نفسه مع فيلمه السابق تيتانيك. بالطبع لا يستطيع أحد إنكار أهمية وجود الأموال اللازمة من أجل صناعة السينما أو صناعة فيلم, لكن هناك فرقا بين صناعة فيلم سينمائي وصناعة سلعة سينمائية تحقق الملايين سواء في صالات العرض أو خارجها( المقصود بخارجها هو المنتجات المباعة التي تحمل صور الأبطال أو أسم الفيلم)السينما الجيدة يصنعها الإبداع والفكر والإحساس وليست تكاليف الإنتاج... أو حتي لا نكون متزمتين في وجهة نظرنا, أن وجود الإمكانيات الإنتاجية العالية ليس هو الضامن الوحيد لوجود سينما ناجحة, وبالتالي فإن إمكانية صناعة سينما منخفضة التكاليف جيدة وناجحة ممكن. المثال الذي يقدمه لنا مؤخرا الواقع السينمائي العالمي يتمثل في فيلمprecious والذي نجح نجاحا كبيرا في مهرجان السينما المستقلةspiritAwards, لكن المفاجأة جاءت مع ترشيح الفيلم لجوائز الأوسكار. الفيلم بطلته فتاة سوداء ضخمة ثقيلة الوزن لا تملك أي قدر من الجمال( حتي لانقول قبيحة) تقوم بالبطولة ممثلة غير مشهورة( جابوري سيدي بيه) من أصل سنغالي, كل تلك العوامل لا تجعل جهة إنتاج تقدم علي إنتاج عمل مماثل لذا فإن الفيلم تم إنتاجه وفقا لأسلوب السينما المستقلة للمخرج الأسود الكبير سبيك لي. الفيلم مأخوذ عن رواية تحمل عنوانpush, حيث تبدأ الرواية بالطبيب الذي يطلب من الفتاة كلارنس برشيوس جونز أن تدفع من أجل ان تلد طفلها الثاني وهي تبلغ من العمر16 عاما. الفيلم بطلته تلك الفتاة السوداء البدينة التي تقطن جيتو السود في بروكلين في نيويورك اغتصبت مرتين من قبل والدها أسفرت تلك العلاقة عن طفلين أحدهما معوق ذهنيا. أم تلك الفتاة مستبدة قررت في المرة الأولي ان تترك الطفلة نتاج العلاقة الآثمة تلك لجدة الفتاة حتي تحتوي الفضيحة, لكن في المرة الثانية تقرر الفتاة الاحتفاظ بطفلها. لكن الفتاة برشيوس تكره حياتها, تكره لونها الأسود وشعرها, تكره بدانتها ومازالت طالبة في المدرسة, ولا أصدقاء لها فهي ليست الفتاة التي ينجذب لها أحد. الدعم الذي تعطيه لها الدولة تستولي عليه أمها وتصادره. برشيوس أمية في إشارة مهمة لما تعانيه أبناء الطبقات الفقيرة في الولاياتالمتحدةالأمريكية من فشل في الدراسة بجانب التفسخ العائلي, لكن برشيوس تقرر استلام مصيرها بيدها وتدفع كل عوامل الفشل في حياتها لتخرج بمساعدة الكثيرين من هذا النفق المظلم الذي وضعتها فيها وضعيتها الاجتماعية. بطلتنا وقعت في مأزق فرضته عليها ظروفها الاجتماعية من أب سكير مريض نفسيا وأم مستبدة سادية تمارس أمراضها النفسية علي بنتها, وتعرضها دائما دون أي حماية للاغتصاب مرتين من أبيها. هذه هي مشكلة تواجه فتاة فقيرة في مجتمع غني يسيطر عليه صورة للفتاة المثالية لا تنطبق علي تلك الفتاة السوداء البدينة التي تقهر أمام معايير المجتمع, هذا بجانب الخلل الكامل لأسرتها الذي يصل لحد الهوس والجنون. كل هذا صنع فيلما اجتماعيا ناجحا يلقي الضوء علي معاناة الطبقات من الأقليات في مجتمع الثراء فيه هو أهم شيء. تلك النوعية من السينما لا تحتاج للكثير من النقود بل للكثير من الإبداع والكثير من الصدق والكثير من الموهبة... فهل لدينا هذا القدر من الإبداع والموهبة أم لا نزال ننتظر ميزانيات جيمس كاميرون؟