حياة أقرب لليأس منها إلي الرجاء تلك التي أعيشها منذ أكثر من عشر سنوات هي عمر زواجي الذي انتقلت به من حياة ملؤها الأمل وسياجها السعادة إلي حياة تعسة أتمزق فيها ألما وإحباطا من كل شيء; فقد كان زوجي في بداية عهدي به يبدو مثاليا يظهر من خلال تصرفاته معي وتعاملاته في فترة الخطوبة ما يجعله الرجل الحلم في قلب أي فتاة. صحيح لم نلتق علي مشاعر متقاربة تدمغ بيننا بالحب ولكنه كان تعارف صالونات للعقل فيه الرأي الأول والأخير وكل ما بدا لي ولعائلتي من العريس القادم يشي بكل ما هو خير حتي إني كنت منبهرة به إلي حد الخيال المستحيل وأخذتني أحلامي المستقبلية معه إلي آفاق من السعادة لا يصدقها عقل. لم يمض علي فترة الخطوبة الكثير حتي انتقلت من بيت أبي علي محفة من الأمل والترقب إلي حياتي الجديدة مع زوج هو الصورة المثالية مجسدة بملائكية في شخصه.. أيامي الأولي معه تجاوزت كل ما حلمت به من سعادة حتي جاءنا طفلنا الأول وكم كان سعيدا به إلي حد كبير يجتهد نهاره في العمل كي يوفر لنا احتياجاتنا وكل أسباب السعادة, إلا أنه ليس دائما تأتي الرياح بما تشتهي السفن فقد ضنت علي الحياة بالسعادة التي كنت عليها, لم يمض عام بعد مجيء طفلنا الأول حتي تبدل زوجي وبات شخصا آخر لا أعرفه يكرهني ويكره الحياة معي يقسو علي إلي حد الضرب المبرح هو الذي لم يكن يتحمل في أي أذي..! لم أكن أعرف أن امرأة أخري اقتحمت عليه حياته وغيرت قلبه مني جعلته ألعوبة بين يديها تلهو به يمينا ويسارا وبعد أن كان يجتهد طاقته كي يسعدني أخذ يمقت وجودي في حياته, يدخل علي ضجرا لا يطيق مني كلمة وكأنه ينتظر مني أي كلمة تغضبه فيطيح في ضربا و سبا ثم يلقي علي بيمين الطلاق. سلسلة من العذاب والقهر أعيش فيها ليل نهار تنتهي بطلاقي وجرستي بين الناس ثم عودتي إليه ذليلة بدعوي الحفاظ علي كيان البيت والولد وأنه ليس هناك كرامة بين الرجل وامرأته وكم من البيوت يحدث فيها الكثير والكثير من المشكلات والمنغصات.. ولكن الغريب في الأمر أنه كثير الإلحاح علي عودتي إليه وينفي ويحلف بأغلظ الأيمان أنه قطع علاقته بهذه المرأة التي أفسدت عليه حياته وزوجته وسعادته. لم أصدق أنه جاءني نادما تائبا علي أفعاله المشينة ولم أصدق أن إصرار أهلي علي رجوعي إليه نابع من خوف حقيقي علي حياتي الأسرية وسعادتي, وأعرف أنه يخدعني وأن أهلي لا يطيقون مسئوليتي وولدي وفي النهاية وافقت علي العودة بمنطق الأمل لعله يتغير بالفعل ويعود إلي جادة الصواب وأحاول التأثير عليه وتعويضه بالحب والحنان عما جعله يشت عن بيته.. لم أفقد الأمل في التمسك به والحفاظ عليه وقلت في نفسي لن أترك واحدة أخري تخطف مني زوجي وتدمر علي بيتي. ولكن يبدو أن محاولاتي كلها باءت بالفشل, فقد عادت ريما لقواعدها القديمة وعاد زوجي لمعشوقته ذليلا لها تمسك بخيوط عقله وقلبه وتحركه كيفما تشاء.. كنت أعرف أنها تبعث لي رسائل ملؤها السخرية والشماتة من خلال تصرفات زوجي معي وعندما يلطمني علي وجهي أخالها هي من يلطمني.. ووقع الطلاق الثاني وتكرر نفس سيناريو العودة الذليلة وعاد الصراع بيني وبينها أكثر شراسة هذه المرة حتي انتهي بالضربة القاضية والتي تلقيتها أنا; فقد استسلم لها زوجي منقادا إلي حد الإدمان ووقع الطلاق الثالث ولم يعد أمام الجميع غير أن يستأجروا لي رجلا يتزوجني لمدة ليلة واحدة كمحلل يستطيع به زوجي أن يعيدني إلي عصمته. ولكن رفضت هذه المهزلة وقررت ألا أعود إليه أبدا.. لم يشغلني أني أفقد رجلا ثريا يفتح لي بيتا فاخرا ويعيشني عيشة رغدة ولكنه يسمم ما يقدمه لي من عسل فيجعله مرا قاتلا.. لم تشغلني محايلات أهلي بقول هذه اللعبة السخيفة ولم ينطل علي ادعاؤهم الخوف علي حياتي وولدي ومستقبلنا.. وانطويت علي نفسي وحياتي.. خرجت إلي العمل وفي نفسي قرار بعدم الارتباط بأي رجل آخر.. عملت حتي لا أكون ذليلة إنفاق أهلي علي أو ما يبعثه طليقي من نفقة كل شهر.. لقد حصلت علي استقلاليتي واحترامي لنفسي وكرامتي.. وشاءت الأقدار أن أتعرف علي رجل كان في منتصف العقد الخامس من عمره ويكبرني بعشر سنوات.. جمعت بيننا مشاعر راقية, حالمة واقتربنا من بعضنا حتي طلبني للزواج ولم يتدخل أحد من أهلي وفرضت إرادتي هذه المرة واخترت لحياتي من أعيش معه وأنا علي يقين من سعادتي في كنفه. وبدأت حياتي الجديدة مع من أحب.. أحسست من الوهلة الأولي لي معه أنني ولدت من جديد وعلي يديه سوف تتفتح لي كل آفاق السعادة حتي ابني كان له نصيب كبير من هذه السعادة فقد وجد أبا حقيقيا له يحبه ويحنو عليه ويعامله وكأنه من صلبه ولكنها السعادة التي لا تدوم وتضن علي بها الحياة دائما.. فجأة أظلمت الدنيا بعد أن أشرقت شمسها علي ليل طويل ليعود الظلام إلي حياتي مرة أخري بعد أقل من سنة من زواجي. كتبت علي الأقدار هذه المرة أن أخرج من دنياي أرملة فقد مات زوجي وحبيبي في حادث سيارة, رحل ورحلت روحي معه وكأنه لم يكن إلا حلما ورديا جاءت نسماته الباردة في حر صيف شديد الحرارة. تهاوت أي قدرة لي علي الحياة وانغلقت علي يأس تملك مني وكأنه الموت يسكنني إلا من أنفاس تتلاحق في صدري جزعة لا تتوقف عن خوف يسري في عروقي مجري الدم وما زاد من يأسي وشقائي أن جاءني زوجي السابق يريدني مرة أخري ويتحجج بنفس الحجة الواهية ابنه وحاجته إلي الاستقرار.. كان يقسم لي أنه تغير وأن ابتعادي عنه وزواجي من رجل آخر جعله يتجرع مرارة فعله ويفيق لنفسه.. قال إنه ابتعد عن شيطانته إلي الأبد.. وتوسل كثيرا ولكني لم أسمعه, لم أكن معه من الأساس, كنت هناك حيث يرقد الرجل الحقيقي الذي امتلأت عيني به حبا وسعادة.. نظرت لطليقي نظرة صامتة ساخرة منه وغادرته قبل أن ينهي كلامه.. وصممت أذني عن إلحاح أهلي الذين عادوا يمارسون دورهم في إعادتي لرجل أحتقره رغما عني بالترغيب تارة وبالترهيب تارة أخري. أكتب لك اليوم وكأني أتحدث إلي نفسي أخرج ما بداخلي من يأس وإحباط وأنا أسطر حكايتي لعلي أستضيء طريقا مستنيرا أسلكه. س. ك. القاهرة شيء من الأمل أنت في حاجة إليه.. ما كل هذا اليأس الذي يحيط بك يكاد أن يخنقك أو إن رحل عنا عزيز أو حبيب نفقد يقيننا بالله وحكمته فيمن يرحل إلي جواره صغيرا كان أو كبيرا, علي فراشه كان أو في حادث عرضي أو مرضي.. هل ضاقت مساحة الصبر في صدرك إلي هذا الحد اليائس.. وهل نسيتي أن ابنك الوحيد مازال يعيش في الدنيا وفي حاجة لك ولأبيه.. اقشعي عنك ظلمة اليأس بنور الأمل يا ابنتي واقتربي من رب العزة سبحانه وتعالي بالصلاة وقراءة القرآن ألا بذكر الله تطمئن القلوب. أما أمر زوجك السابق ورغبته في العودة نادما تائبا فالشاهد فيه هو مدي صدقه مع نفسه ومعك وأنت فقط من يستطيع تقييمه والتيقن من صدقه وعليك أن تعلمي مدي حاجة ابنك لأبيه وحاجتك أنت أيضا لمن تستندين إليه في مشوار الحياة وأنت بعد مازلت صغيرة وصدق المولي عز وجل في كتابه الكريم عندما قال: قل يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله صدق الله العظيم.