قضية اللغة العربية وما تتلقاه علي أيدي أبنائها من ازدراء ومهانة, قضية لا يليق أن نقلل من خطورتها أو أن نتجاهلها, فهي قضية لغة العناد التي تخشي أن تندثر أمام تغول اللغات الأجنبية خاصة اللغة الانجليزية, وهذا كما أعتقد هو ما عبر عنه مقال أستاذنا الدكتور سليمان عبدالمنعم الذي نشر في صفحة قضايا وآراء بجريدة الأهرام في التاسع عشر من أغسطس الماضي, والاستاذ كتب ما كتب من منظور ثقافي وغيرة علي حال اللغة العربية بعد أن فاجأته آلاف لوحات الإعلانات المصطفة علي جانبي طريق الساحل الشمالي علي امتداد أكثر من مائة وخمسين كيلو مترا, وجميعها مكتوبة باللغة الانجليزية, ولا شيء سواها, وكأن الطريق يقع علي ساحل من سواحل انجلترا مع الفارق طبعا في أن سواحل انجلترا أكثر نظافة وتظللها الأشجار من الجانبين, وليس فيها من سائقين متهورين تتدافع وتمرق سياراتهم بسرعة جنونية تثير الهلع والخوف في قلوب بقية السيارات والراجلين من البشر. وبعد قراءتي للمقال البديع الذي يرثي فيه الأستاذ الدكتور سليمان حال اللغة العربية, وكيف تلاقي الهوان من أبنائها قدر لي أن أعيش نحو أسبوعين في إحدي قري هذا الساحل, فكان الهول الأكبر والواقع المؤلم الذي صوره الأستاذ في مقاله ورأيته رأي العين وأنا أتخذ طريقي بدءا من التقاء محور طريق العلمين بالطريق الساحلي متجها غربا إلي القرية المقصودة, وتمثل هذا الواقع في سوء الأدب الموجه للغة الغناء, حيث لا توجد لوحة إعلانية مكتوبة باللغة العربية, وإن وجدت فهي تتواري علي استحياء بين غابة اللوحات الأجنبية, إضافة إلي أن اللوحات تكاد تتلاطم مع بعضها البعض من كثرتها وسوء توزيعها, وكأن هناك سباقا بين المعلنين ومن منهم يعلن عن بضاعته أكثر من غيره, وفي صورة فجة بعيدة عن الذوق وقد اتسامح مع المعلنين عن القري والمتاجر والمطاعم والكافيهات بلغات أجنبية إذا ما كانت هناك سياحة أجنبية تتكدس في القري المنتشرة علي طول الساحل الشمالي, ولكن من المقطوع به أنه لا أثر حتي لسائح واحد في هذه البقعة الجميلة من الساحل الشمالي بل القري جميعها يقطنها مصريون من مختلف المهن, دبلوماسيون ومهندسون وأساتذة جامعات.. إلخ.. إلخ, وكل ما ذكرته كوم وحكاية يفط حماقي كوم. فقد تبادر إلي ذهني أن المطرب حماقي يغني بالإنجليزية, وإن له عشاقه من الناطقين بالإنجليزية, وأن هؤلاء العشاق جاءوا بالآلاف المؤلفة ليستمتعوا بأغنياته وصوته الذي يتواري أمامه صوت العندليب, وذلك حين شاهدت أكثر من خمسين لوحة إعلانية ترتفع الواحدة منها إلي أكثر من ثلاثين مترا, وصورة المطرب حماقي بالحجم الطبيعي أعلي اللوحة, وتحتها مكتوب بالإنجليزية أن حفل المطرب حماقي سيقام يوم كذا في القرية الفلانية.. سألت صديقي الجالس معي في السيارة ليه بالإنجليزي؟ فقال ضاحكا إنها عقدة النقص وزاد الهول وتضاعف عندما دعيت إلي غداء عند أحد الأصدقاء مع جمع من المعارف ففي الفيلا الجميلة المطلة علي الشاطيء اللازوردي كان الأطفال من أبناء صاحب الدعوة وأبناء بعض المدعوين يرطنون بالإنجليزية فاقتربت منهم متسائلا لماذا أيها الصغار لا تتحدثون بالعربية؟. فنظروا إلي باستغراب وكأني قلت ما جرح مشاعرهم, ورد علي طفل لمض قائلا إن المدرسة التي نتعلم فيها لا تدرس لنا المواد إلا باللغة الإنجليزية وممنوع أثناء اليوم الدراسي إن نتحدث بغير الإنجليزية, وهذه أيضا وصمة عار في جبين التعليم المصري اننا لا نمانع في تدريس اللغات الأجنبية, ولكننا لابد وأن نحترم اللغة العربية بحيث تدرس إلي جانب اللغات الأجنبية إن الأمر يستحق لفتة جادة من المسئولين, وكم أرجو أن تمتد يد السيد الرئيس لإقالة العربية من عثراتها, إن الآلاف من الشركات والمطاعم والمؤسسات والمنتجعات أسماؤها بلغة أجنبية, وتعلن عن منتجاتها بلغة أجنبية في حين أن المخاطبين بهذه الخدمات والمنتجات كلهم مصريون يتحدثون العربية, لا مانع أن تكتب أسماء الشركات والمؤسسات والقري السكنية بلغة أجنبية, ولكن ذلك يأتي وبحروف صغيرة بعد الكتابة وبخط واضح باللغة العربية ثم ما هي مودة إطلاق أسماء أجنبية علي المؤسسات والشركات والمتاجر, فهل نضب معين اللغة العربية عن تسمية هذه المؤسسات ومنتجاتها بأسماء عربية,. حسبنا الله ونعم الوكيل.