في مطلع سبتمبر الماضي انتهت مهلة ال11 شهرا التي حددتها اللجنة الفنية الثلاثية لسد النهضة مع المكتبين الاستشاريين الفرنسيين لانجاز دراسات التأثير الهيدروليكي والاجتماعي والاقتصادي علي مصر والسودان, للاتفاق علي قواعد ملء وتشغيل السد. حيث نص الإطار الزمني لتنفيذ الدراسات التي جري توقيع عقودها في سبتمبر2016, علي الانتهاء خلال خمسة عشر شهرا, منها11 شهرا لإعداد الدراسات وأربعة أشهر مهلة للجنة الفنية الثلاثية للنظر في كيفية تنفيذ نتائج وتوصيات الدراسات. اللجنة الفنية الثلاثية لسد النهضة كان قد تم الاتفاق علي تشكيلها في أغسطس2014 بغرض تنفيذ توصيات اللجنة الدولية التي أصدرت تقريرها في مايو2013, وأوصت باستكمال الدراسات الخاصة بالسد, والذي كان يجري انشاؤه علي قدم وساق بدون دراسات كافية.. ونشير هنا إلي أن مصر كانت قد تنازلت عن شرطها بضرورة وجود خبراء أجانب في اللجنة الفنية, والذين كان وجودهم قمينا بتوفير عنصر الحيادية والاستقلال وتسهيل حل الخلافات, الامر الذي ادي في نهاية المطاف إلي تكوين اللجنة من12 خبيرا وطنيا من الدول الثلاث, ومكن إثيوبيا من التلاعب بالمباحثات وخلق العقبات والتشبث بالخلافات, مع التلويح طوال الوقت للمفاوض المصري, بأنه إما ان تقبل ما هو مطروح اثيوبيا, او يتم العودة لنقطة الصفر, والبدء من جديد. ونتيجة لهذا الوضع, تعثر الاتفاق علي الإجراءات الإدارية والمالية لإسناد الدراسات الي المكاتب الاستشارية لفترات طويلة, بفعل المماطلات والمماحكات الإثيوبية, مما تسبب في تأخير توقيع عقود دراسات السد لأكثر من عامين.. بما في ذلك عمليات المناورة والالتفاف الواسعة التي قامت بها إثيوبيا لاستبعاد المكتب الهولندي الأكثر جدارة من الناحية الفنية, واضطرار مصر للرضوخ حرصا علي استمرارية المفاوضات.. وحتي حينما تم إسناد الدراسات بدأت جولة جديدة من الخلافات والعقبات حيث لم ينته المكتبان الاستشاريان حتي الآن من إعداد التقرير الاستهلالي, وهناك خلافات فنية عديدة لم يتم حسمها, مع تباعد التوقيتات الزمنية بين الاجتماعات بحجة انشغال الطرفين الإثيوبي والسوداني. وبالرغم من ذلك فقد اعلنت مصر موافقتها المبدئية علي التقرير الاستهلالي علي ان يتم استئناف النقاش حول النقاط العالقة في الاجتماع الوزاري للجنة الفنية الذي ينعقد هذه الايام في اديس ابابا, وتشتمل فعالياته علي زيارة من الوزراء الثلاثة لموقع السد. يجب أن ننتبه أيضا إلي انجاز الدراسات المنشودة لن يؤدي إلي انقشاع الازمة, حيث إن نتائج الدرسات غير ملزمة للطرف الاثيوبي, وانما تحظي لديه بالاحترام.. ولنا ان تنوقع أو نتخيل حجم مراوغات أديس أبابا علي ضوء سلوكها المتواتر طوال الوقت. لقد سلمت مصر بحجم السد وأبعاده, وقبلت التفاوض واستكمال الدراسات في ظل استمرارية العمل في السد, ثم حصرت هدفها في الاتفاق علي قواعد الملء والتشغيل, وفي سبيل ذلك قدمت كل المرونة والتنازلات اللازمة لإنجاز الدراسات الخاصة بهذا الشأن.. ولكن الطرف الإثيوبي يتبع استراتيجية أخري هي الابتزاز واستنزاف الوقت والاتجاه الي التحكم في تدفقات النيل الأزرق علي حساب مصر بشكل كامل, وبالتعاون مع السودان.