المنظمات الدولية لا تبدو عارية بعد إلباسها العديد من الأهداف السامية التي ترتديها وهي تسير بأنشطتها في خدمة الإنسانية وإحلال السلام والحفاظ علي الحريات وحقوق الإنسان ولكنها تظل مشروع عري حين تتعلق الأمور بمصالح دول وحسابات تبتعد أو تقترب من تلك الكيانات التي تملأ العالم ضجيجا عن المثالية وهي في النهاية تقوم في الغرف المغلقة بعلاقات مثلية. وليس هناك بشاهد أو بدليل علي ذلك إلا هذه الاشتعالات التي ربما يطفئون بعد شظايا قضاياها ولكن يبقي الحريق مشتعلا ولا تجد سوي آثار بودرة الإطفاء بلونها الأبيض الثلجي وكأنها قد فقدت صلاحيتها في أثناء الطريق فلا العالم أصبح اكثر أمنا ولا هم اصبحوا أقل وجودا ومع ذلك فما زلنا نلهث وراء ذلك السراب ونحن نعلم أنه لا يوجد ماء. ومنظمة اليونسكو رغم ما يبدو من سهولة حروفها التي تجري علي لسان ناطقيها فهي تعني اختصارا للأحرف الأولي من المجالات التي تعمل بها وتسمي منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة, فهي منظمة ثقافية في المقام الأول وليست سياسية ولكنها تتبع سياسيا الأممالمتحدة وتضم أكثر من مائة وتسعين دولة. واليونسكو بما لها وما عليها لا يمكن لمصر إغفال دورها في أكبر حملة دولية لعملية انقاذ أثري في التاريخ المعروفة باسم عملية إنقاذ آثار النوبة لمعبد أبو سمبل ومعابد جزيرة فيلة من الغرق بالطوفان بعد ان تعرضت له ثلاث مرات وتقطيعها ونقلها الي اماكن اخري واعادة تركيبها وبنائها فوق الجبل الذي يشرف علي موقعها الأصلي للاتجاه الذي وضعه لها المصريون منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام. ومشقة هذا العمل وخطورته اذا ماكان معبد أبو سنبل وحده قد تم تفكيكه إلي أكثر من ألف ستة وثلاثين قطعة يتراوح وزن القطعة من سبعة إلي ثلاثين طنا وجمع لهذا العمل مايزيد علي12 مليون دولار تبرعات وهو رقم مخيف في تلك الفترة من أواخر الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي بمشاركة متخصصين من ممثلي خمس عشرة دولة من أعضاء المنظمة كلجنة تنفيذية ولنا أن نتخيل ماذا كان سيحدث لو ان هذا العمل الدولي الذي استغرق مايقرب من عشرين عاما لم يلق هذا الاهتمام والدقة في التنفيذ الذي لم تكن تحتمله مصر والسودان وحدهما, وأعقب هذا العمل الخارق عدد كبير من البعثات تقرب الي الاربعين بعثة قامت بالتنقيب عن الآثار واستخراج منها مالا يقدر بثمن وانشاء متحف النوبة بأسوان الذي يضم عشرين ألف قطعة أثرية. ولان الشيء بالشيء يذكر فلابد من ذكر أن الحكومة المصرية وقتها قد قررت تقديرا لجهود دول العالم في إنقاذ تلك الآثار اهداء قطع أثرية امتد إلي اهداء معبد دابود الموجود باسبانيا ومعبد الدر في امستردام. والإيجابية الوحيدة التي خرجنا بها في معركة انتخابات اليونسكو هو هذا التتبع الشعبي لكل مراحله والفخر بسيدة مصرية تتصدر المشهد بقوة, حتي لمن لا يعرف شيئا عن هذه المنظمة سوي اسمها ولا ماذا سيحدث بفوز مصر بمقعد رئاستها وان معلوماتنا عن كأس العالم تفوق أضعاف ما نعرفه عن تلك المنظمات الدولية ولكنه إحساس عام بالرغبة في تحقيق الذات والوجود والنجاح, أنه قشة الغريق في النجاة من الاحباطات والخروج من ذيل القائمة في كل التصنيفات, فنحن شعوب العالم الثالث لا نسير علي أرض صلبة بل علي بحار من الرمال المتحركة التي تكاد تبتلعنا لولا لطف الله.