تعد الشهادات الصادرة من إسرائيل حول حرب أكتوبر, بمنزلة توثيق تاريخي لرد الفعل الذي احدثته الصدمة المصرية وعم مدي عبقرية وعظمة وتضحيات المقاتل المصري بشجاعته وبسالته بعد أن لقن الإسرائيليين درسا لن ينسوه في فنون القتال والتخطيط والخداع الإستراتيجي.. تلك الحرب التي كانت مفاجئة في توقيتها وأحداثها وتأثيرها.. هكذا أرادها مخططوها.. وهكذا جاء النصر.. عام1973, لم يعد بعدها الشرق الأوسط كما كان قبلها.. ولذلك كان منطقيا أن تتسبب في حالة عامة من الصدمة في إسرائيل, وهو ما انعكس علي تصريحات قادتها وتعليقات الخبراء العسكريين فيها الذي سجلوا باقوالهم وثائق تاريخية وشهادات ناصعة علي قدرة الجندي المصري علي العطاء والتضحية والفداء.
موشيه ديان وزير الحرب الإسرائيلي اعترف وزير الحرب الإسرائيلي موشيه ديان في ديسمبر1973 بأن حرب أكتوبر كانت بمنزلة زلزال تعرضت له إسرائيل, وأن ما حدث في هذه الحرب أزال الغبار عن العيون, وأظهر لهم ما لم يروه من قبل وأدي كل ذلك إلي تغير عقلية القادة الإسرائيليين. وكتب موشيه في مذكراته يقول: إننا لا نملك الآن القوة الكافية لإعادة المصريين للخلف مرة أخري, مشيدا بالدقة التي استخدم بها المصريون الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات.وأكد أن عليهم الاعتراف بأنهم ليسوا أقوي من المصريين وأن حالة التفوق العسكري الإسرائيلي قد انتهت إلي الأبد وأن النظرية التي تؤكد هزيمة العرب في ساعات إذا حاربوا إسرائيل تعتبر نظرية خاطئة, مؤكدا انتهاء نظرية الأمن الإسرائيلي القائمة علي أن الجيش الإسرائيلي لا يقهر. وشدد علي ضرورة أن يعوا أنهم ليسوا القوة العسكرية الوحيدة في الشرق الأوسط وأن هناك حقائق جديدة لابد أن يتعايشوا معها.ومن أقواله خلال أيام الحرب.. يوم9 أكتوبر1973: إن طيراننا عاجز عن اختراق شبكة الدفاع الجوي المصرية دون تكبد خسائر فادحة. وفي يوم14 أكتوبر1973: إن إسرائيل تخوض الآن حربا لم تحارب مثلها من قبل سواء عام1956 أو في معارك الأيام الستة عام1967 وهذه حرب صعبة, ومعارك المدرعات قاسية, ومعارك الجو مريرة.. إنها حرب ثقيلة بأيامها وثقيلة بدمائها.وقال تعليقا علي وجود أسلحة دفاع جوي جديدة لدي مصر: كان الجيش الإسرائيلي يعلم بوجود هذه الأسلحة لدي مصر ولكن استخدام قوات الدفاع الجوي المصري لها بكفاءة عالية هو ما لم نكن نعلمه.إن حرب أكتوبر كانت بمنزلة زلزال تعرضت له إسرائيل.
ناحوم جولدمان رئيس الوكالة اليهودية لفت رئيس الوكالة اليهودية الأسبق ناحوم جولدمان في كتاب له بعنوان إلي أين تمضي إسرائيل إلي أن من أهم نتائج حرب أكتوبر1973 أنها وضعت حدا لأسطورة إسرائيل في مواجهة العرب, كما كلفت هذه الحرب إسرائيل ثمنا باهظا نحو خمسة مليارات دولار, وأحدثت تغييرا جذريا في الوضع الاقتصادي في الدولة الإسرائيلية التي انتقلت من حالة الازدهار التي كانت تعيشها قبل سنة( رغم أن هذه الحالة لم تكن ترتكز علي أسس صلبة كما ظهر) إلي أزمة بالغة العمق كانت أكثر حدة وخطورة من كل الأزمات السابقة, وأضاف أن النتائج الأكثر خطورة كانت تلك التي حدثت علي الصعيد النفسي, حيث انتهت ثقة الإسرائيليين في تفوقهم الدائم, كما اعتري جبهتهم المعنوية الداخلية ضعف هائل, وهذا أخطر شيء يمكن أن تواجهه الشعوب وبصفة خاصة إسرائيل, وقد تجسد هذا الضعف في صورتين متناقضتين أدتا إلي استقطاب إسرائيل علي نحو بالغ الخطورة.. فمن ناحية كان هناك من بدأوا يشككون في مستقبل إسرائيل علي نحو بالغ الخطورة, من ناحية أخري لوحظ تعصب وتشدد متزايد يؤدي إلي ما يطلق عليه عقدة المسادا( القلعة التي تحصن فيها اليهود في أثناء حركة التمرد اليهودية ضد الإمبراطورية الرومانية, ولم يستسلموا وماتوا جميعا).
أمنون كابيليوك المعلق العسكري الإسرائيلي أما صاحب كتاب إسرائيل انتهاء الخرافة آمنون كابيليوك فقد قال تقول الحكمة البريطانية كلما كان الصعود عاليا كان السقوط قاسيا.. وفي السادس من أكتوبر سقطت إسرائيل من أعلي برج السكينة والاطمئنان الذي كانت قد شيدته لنفسها وكانت الصدمة علي مستوي الأوهام التي سبقتها قوية ومثيرة وكأن الإسرائيليين قد أفاقوا من حلم طويل جميل لكي يروا قائمة طويلة من الأمور المسلم بها والمبادئ والأوهام والحقائق غير المتنازع عليها التي آمنوا بها لسنوات عديدة, وقد اهتزت بل وتحطمت في بعض الأحيان أمام حقيقة جديدة غير متوقعة وغير مفهومة بالنسبة لغالبية الإسرائيليين, ومن وجهة نظر الإسرائيلي العادي يمكن أن تحمل حرب أكتوبر أكثر من اسم مثل حرب الإفاقة من نشوة الخمر أو انهيار الأساطير أو نهاية الأوهام أو موت الأبقار المقدسة.وأضاف: عقب الحروب السابقة كانت تقام عروض عسكرية فخمة في يوم الاستقلال تشاهد فيها الجماهير غنائم الحرب التي تم الاستيلاء عليها من العدو, أما في هذه المرة فعلي العكس أقيم معرض كبير في القاهرة بعد مرور شهرين علي الحرب وفيه شاهدت الجماهير الدبابات والمدافع والعربات العسكرية وكثيرا من الأسلحة الإسرائيلية التي تم الاستيلاء عليها من العدو خلال الحرب.في المرات السابقة كان الجنود يعودون إلي ديارهم بعد تسريحهم وكانوا يذوبون في موجة السعادة والفخر, أما هذه المرة فقد عادوا وقد استبد بهم الحزن والفزع واحتاج الكثيرون منهم إلي التردد علي قسم العلاج النفسي في الإدارة الطبية التابعة للجيش نظرا لإصابتهم بصدمة قتال. الخبير العسكري زئيف شيف أما صاحب كتاب زلزال أكتوبر.. حرب يوم عيد الغفران فقد قال عن الحرب: هذه هي أول حرب للجيش الإسرائيلي التي يعالج فيها الأطباء جنودا كثيرين مصابين بصدمة القتال ويحتاجون إلي علاج نفسي.. هناك من نسوا أسماءهم وهؤلاء كان يجب تحويلهم إلي المستشفيات. وأضاف: لقد أذهل إسرائيل نجاح العرب في المفاجأة في حرب يوم عيد الغفران وفي تحقيق نجاحات عسكرية, لقد أثبتت هذه الحرب أن علي إسرائيل أن تعيد تقدير المحارب العربي فقد دفعت إسرائيل هذه المرة ثمنا باهظا جدا, لقد هزت حرب أكتوبر إسرائيل من القاعدة إلي القمة, وبدلا من الثقة الزائدة جاءت الشكوي وطفت علي السطح أسئلة من نوع: هل نعيش علي دمارنا إلي الأبد, هل هناك احتمال للصمود في حروب أخري؟.
الجنرال الإسرائيلي يشيعيا جافيتش وفي ندوة عن حرب أكتوبر بالقدس في16 سبتمبر1974 قال الجنرال الإسرائيلي يشيعيا جافيتش إنه وبالنسبة لإسرائيل ففي نهاية الأمر انتهت الحرب دون أن نتمكن من كسر الجيوش العربية ولم نحرز انتصارات ولم نتمكن من كسر الجيش المصري أو السوري علي السواء ولم ننجح في استعادة قوة الردع للجيش الإسرائيلي وإننا لو قيمنا الإنجازات علي ضوء الأهداف لوجدنا أن انتصار العرب كان أكثر حسما ولا يسعني إلا الاعتراف بأن العرب قد أنجزوا قسما كبيرا للغاية من أهدافهم, فقد أثبتوا أنهم قادرون علي التغلب علي حاجز الخوف والخروج إلي الحرب والقتال بكفاءة وقد أثبتوا أيضا أنهم قادرون علي اقتحام مانع قناة السويس, ولأسفنا الشديد فقد انتزعوا القناة من أيدينا بقوة السلاح.
البروفيسور الإسرائيلي شمعون شامير قال شمعون شامير الخبير في شئون الشرق الأوسط: إنني أحصي للعرب خمسة إنجازات مهمة: أولا: نجحوا في إحداث تغيير في الإستراتيجية السياسية للولايات المتحدةالأمريكية بصورة غير مواتية لإسرائيل. وثانيا: نجحوا في تجسيد الخيار العسكري مما يفرض علي إسرائيل جهودا تثقل علي مواردها واقتصادها. ثالثا: نجحوا في إحراز درجة عالية من التعاون العربي سواء علي الصعيد العسكري أو الاقتصادي, خاصة عندما استخدموا سلاح البترول في أكتوبر. رابعا: استعادت مصر حرية المناورة بين الدول الكبري بعد أن كانت قد فقدتها قبل ذلك بعشر سنوات. خامسا: غير العرب من صورتهم الذاتية فقد تحرروا من صدمة عام1967 وأصبحوا أقدر علي العمل الجاد.