جذبت برشلونة اهتمام العالم, ليس لأن فريقها الأشهر أصبح يواجه مصيرا غامضا فحسب, بل لأنها تهدد بتقسيم إسبانيا بعد أن نظمت استفتاء أيد الإنفصال عن إسبانيا, ومن يومها وإسبانيا لا تنام, وإقليم كتالونيا يعج بالمظاهرات والإضرابات, وخرجت جماهيره تتحدي قرار الحكومة المركزية في مدريد, والتي لم تعترف بنتائج الاستفتاء وتلوح بمعاقبة منظميه, وخرج ملك إسبانيا ليصفهم بالمتمردين. لماذا صممت كتالونيا علي التمرد؟ عندما تعرضت إسبانيا لأزمة اقتصادية تقارب ما حدث لإيطاليا واليونان, بدأت الجماهير في التململ من سياسة التقشف وارتفاع أسعار السلع والخدمات, وبدا أن أسبانيا ستتوجه ناحية اليسار الراديكالي مثل اليونان, فعندما تضرب الأزمة النظام الرأسمالي, إما أن تتجه الجماهير ناحية الاشتراكية وتري فيها المنقذ المنحاز للطبقات الدنيا, أو تتجه إلي العنصرية وتوجه سهام النقد إلي المهاجرين الذين استحوذوا علي فرص العمل القليلة, وتسببوا في خفض الأجور, لكن كتالونيا الأغني بين الأقاليم الأسبانية وجدت أنها تعطي الحكومة المركزية في مدريد20 مليار يورو سنويا, ولا تحصل إلا علي القليل من المنافع, لهذا استجابت جماهير كتالونيا لمطلب الاستقلال, تحت شعار أموال كتالونيا للكتالونيين, هذا الشعار الشعبوي اليميني استطاع أن يوحد الكتالونيين, من الطبقة الرأسمالية التي تدفع الضرائب إلي العمال الفقراء, الذين يعتقدون أن هذه الأموال سوف تحسن أحوالهم إذا امتنعوا عن دفعها للحكومة المركزية, وتنفض الأزمة غبار مطلب كتالوني قديم بالاستقلال أو الحكم الذاتي الواسع. كان إقليم كتالونيا قد حصل علي الحكم الذاتي عام1931 خلال فترة اتسمت بالاضطرابات الشديدة في عموم إسبانيا, ليأتي نظام الجنرال فرانكو ويقمع الاضطرابات ويلغي الحكم الذاتي في كتالونيا, ويضرب بكل عنف كل من يتمرد علي النظام, من الكتالونيين الذين تم إعدام رئيس إقليمهم وتحريم استخدام لغتهم في مؤسسات الدولة, مرورا بالشيوعييين الذين رأي فيهم تهديدا لنظامه, وحتي الليبراليين وكل التنظيمات والأحزاب, فلم يسلم أحد من بطشه, وبعد وفاة فرانكو عام1975, عادت الحياة السياسية الطبيعية إلي أسبانيا, وأعيد الحكم الذاتي لكتالونيا عام1979, لكن الانقلاب العسكري عام1981 منح اقليمي الباسك ونافارا فقط حق التصرف في الضرائب المتحصلة منهما, وحرم كتالونيا من هذا الحق, وهو ما أبقي الشعور بالظلم في نفوس الكتالونيين, وهو الشعور الذي كرسه نظام فرانكو الشديد القسوة, لتأتي الأزمة الاقتصادية لتؤججه وتعيد فكرة الأمة الكتالونية من جديد. تخشي الحكومة المركزية في مدريد من أن تنتقل المطالبة بالاستقلال إلي أقاليم أخري, خاصة إقليم الباسك الذي شهد حركة انفصالية مسلحة, بقيادة منظمة ايتا, التي تأسست عام1959, وشنت عمليات مسلحة طوال4 عقود أودت بحياة نحو ألف قتيل وآلاف الجرحي ونشرت الفزع في اسبانيا, حتي أوقفت عملياتها ونبذت العنف عام2011, ويسهم الباسك بنحو10% من الناتج المحلي, وبه5% من السكان, ويتمتع بحكم ذاتي واسع, ويمكن أن يطرح نفس الشعارات, ويعود العنف مجددا. كما تخشي دول الاتحاد الأوروبي من تلك النزعة الإنفصالية في إسبانيا, وأن تمتد تلك الشعارات إلي دولها, فمعظم دول أوروبا لديها أقاليم تمتلك مقومات الاستقلال, وأعني من غيرها, مثل ميلانو في إيطاليا وبافاريا في ألمانيا, وهناك أقاليم أخري تطالب بالاستقلال منذ زمن طويل, ويمكن أن ينعش كتالونيا آمالها, ولهذا وقف الاتحاد الأوروبي بشدة ضد انفصال كتالونيا, ويرفض الاعتراف به كدولة مستقلة, وهو ما يجعل قرار الانفصال مغامرة شديدة الخطورة, فلن تجد كتالونيا من تتعامل معه اقتصاديا أو سياسيا, ولن يجد فريق البارسا أي دوري كبير يلعب فيه, ويختنق الإقليم المتمرد.