عاشت أمنية في تلك الحجرة طفولتها وزهرة شبابها مع أب وأم كانت هي الأمل الذي يعيشان من أجله فقد رزقهما الله بها بعد طول حرمان وانتظار معذب, كانت وحيدة ومدللة وكأن الحجرة التي تعيش فيها مع والديها لهي القصر المنيف, كل ما كانت تطلبه أمنية مجاب مهما تكبد الأب من مشقة لتدبيره ولما لا أليست هي الأمنية التي عاش من أجلها حتي رزقه الله بها فأسماها أمنية!. ولأنها الدنيا لا تسير علي وتيرة واحدة تبدلت الحياة في الغرفة وتبخرت منها السعادة فقد اختطفت أنياب الردي الأب والعائل والسند وباتت الفتاة الصغيرة وحيدة مع أم تشقي عليها ليل نهار كي تقيم أودها وتوفر لابنتها لقمة العيش والتعليم, ولم تمض الأيام لحالها طويلا وسرعان ما تبدلت ثانية فقد ماتت الأم فجأة ولحقت بالأب فيما كتبت علي أمنية الوحدة تتجرع آلامها مرا يسكن النفس ولا يغادرها. في ظل وحدتها تعرفت عليه واحدا من المحاصرين بالفقر في منطقتها مقطوعا من شجرة وقررت أن تكون له أهلا وتستند إليه في حياتها رجلا وزوجا!. وبعد أن كانت الحجرة خالية إلا منها ازدحمت بالعيال واحد يقفز شقاوة هنا وهناك وآخر يمسك في خناق أخته وثالث يلهو بكرة اصطنعها من بقايا الخيوط وفردة شراب. ضاقت الحجرة بأمنية وأولادها وقررت أن تخرج للعمل تساعد زوجها علي تدبير قيمة إيجار شقة تسعهم وعيالهم وأغلقت حجرة أمها وخرجت للشقة الجديدة ومضت بها الأيام تخرج كل يوم للعمل وتعود كالة مرهقة حتي احتل جسدها المرض ولم تعد قادرة علي العمل ولكن من أين لها أن تدبر قيمة الإيجار؟ عجزا ويأسا قررت أمنية عصام عبد الفتاح أن تعود وعيالها إلي حجرة أمها تسترهم بعد عجزها عن العمل ولكنها الأقدار شاءت لها أن تعيش مرحلة جديدة من البؤس والتشرد فقد فوجئت بالحكومة تخلي منطقة كوم غراب ناحية كوبري العاشر بمصر القديمة من سكانها في إطار مشروع تطوير عشوائيات السحيلة وأسقط في يدها هل ضاع الأمل الأخير في الستر ؟.. هل كتب عليها التشرد للأبد؟ وقبل أن تدور بها الدنيا وتلقي بها في متاهات الرعب والخوف أمسكت بها جارتها وهدأت من روعها وأخبرتها أن الدولة تعطي وحدات سكنية تعويضية لكل من أخلتهم من بيوتهم. وهرولت أمنية إلي حي مصر القديمة لا تلوي علي شيء غير أنها تتعلق بآخر أمل لها في الحياة وتقدمت بطلب لرئيس الحي للحصول علي وحدة سكنية من الشقق المخصصة لتعويض سكان العشوائيات!. أحست أمنية أن الدنيا سوف تفتح لها ذراعيها أخيرا وتحصل هي وأولادها علي الحد الأدني من العيش الكريم.. بنت قصورا من الأحلام وسكنتها.. حلقت بطموحاتها حتي عنان السماء دون أن تدري أنها سوف تسقط سقوطا مدويا تنهار معه كل الأحلام!. رفض رئيس حي مصر القديمة الطلب الخاص بها معللا أنها ليست من سكان العشوائيات وكأن كل جريمتها أنها أغلقت حجرة أمها التي ولدت وكبر وتزوجت فيها لتوسع علي أولادها علي حساب صحتها وما أن اعتلت الصحة حتي عادت إليها فوجدتها سرابا!. عبثا حاولت أمنية أن تقنع رئيس الحي بأحقيتها في السكن, دارت بين المكاتب ودهاليز الروتين تتعلق بالأمل لعلها تصل إليه بلا فائدة و لم تجد بابا تطرقه غير باب الأهرام المسائي تناشد من خلاله المهندس عاطف عبد الحميد محافظ القاهرة أن يغيثها من تعنت رئيس حي مصر القديمة وإصراره علي تشريد أسرتها.