ربما كانت حياتي البائسة التي أعيشها الآن هي الفاتورة التي كان علي أن أدفعها في خريف أيامي فقد عشت عمري كله من أجل أولادي الثلاثة أكافح مع زوجي وأعمل معه حتي نوفر لهم قوت يومهم و نفقات مدارسهم, و في سبيل أن يعيشوا حياة كريمة كان من الممكن أن نبذل حياتنا من أجلهم و عن طيب خاطر....! و بمرارة الصبر والتطلع إلي مستقبل أفضل لأولادنا لا يذوقوا فيه ما ذقته وأبوهم من فقر كنا نثابر ونعمل ليل نهار و يمضي بنا الزمن عاما وراء عام, و شاخ منا العمر و كبر الأبناء ووهن العظم منا حتي ان زوجي أقعده المرض عاجزا وأكملت المشوار وحدي.. لم أكل أو أتعب, أخرج مع تباشير الصباح أسعي علي رزقي و تؤويني في آخر النهار حجرة ضيقة نعيش فيها كلنا و لكنها قصرا يتسع لراحتنا وأحلامنا, ولكن الحلم الذي كان يملأ الصدر فرحا كلما نجح واحد من العيال في مرحلة من مراحله الدراسية تآكل و تقزم و اشتدت علينا ضربات القدر قسوة في العيش, بدأ سيناريو الألم فيها بأن اشتد المرض بزوجي.. أراه يصرخ ألما و يتراقص الموت في عينيه و ليس في عزمي غير أن أبكيه بعجزي و قلة حيلتي فالعلاجات ونفقات المستشفيات والجراحة الضرورية فوق طاقة امرأة مثلي تعيش خارج حسابات الدنيا.....! ومات الرجل والسند.. ودعته بيأس وقوة خارت و عزم تبخر, و كان لابد من ان يخرج أولادي من المدارس و ينزلوا سوق العمل فلقمة العيش مرة والآمال تبخرت و لن تتجدد.. وارتضيت بحالي وقلت إنها مشيئة الله و آويت إلي فراش المرض أنتظر دوري في محطة النهاية ألحق بزوجي ولم يعرف وجههي الابتسام إلا يوم أن جاءني ابني الأكبر و قال لي إنه يريد الزواج.. كانت الفرحة الأولي التي تزور حياتي منذ أن توفي زوجي ولكن مازالت قلة الحيلة تطاردني وتطارد عيالي, فمن أين لي بالمال الذي أزوجه به و كيف لي أن أؤجر له شقة وأفرشها ونحن نتكوم كل ليلة في حجرة واحدة نتقاسم الليل و تسعنا راحته بالكاد ؟ و لم يكن امامنا حل غير ان يتزوج ابني معنا في نفس الحجرة.. عندما أخبرني ابني برغبته هذه عجز عقلي عن استيعاب الأمر و لكن الواقع المر فرض نفسه وتزوج كبيري وبعد أن كنا أربعة أفراد في حجرة بتنا خمسة. في ليالي الصيف أخرج إلي الحارة و أجلس علي حافة الباب وأستند إلي جدار المنزل القديم تشرخت جدرانه من أثر السنين يغشي عيني النعاس لأوسع علي ابني راحته مع امرأته.. حتي اخوته كانوا يفعلون مثلي شبه يتناوبون علي النوم.. نصارع الحياة وتصارعنا بلا هوادة.. سمعت من جيراني بالمغربلين أن الدولة تبني بيوتا جديدة لسكان العشوائيات و أصحاب الحالات الحرجة وأن الرئيس يتابع تنفيذها بنفسه وبعد أن سكن ظلام اليأس عيني وقلبي تفتح النور في نفسي من جديد واسندت علي احد أبنائي وذهبت إلي وزارة الإسكان وفي يدي طلب باسم المهندس مصطفي مدبولي وزير الإسكان أن يرأف بحالي وحال أولادي ويشملنا بمظلة اتحيا مصرب و يكشف عنا خنقة العيشة المستحيلة ب و من موظف لآخر وتوقيع لتوقيع لمن في يده الختم تسلموا مني الطلب في النهاية و مرت شهور طويلة ولم يرد علي أحد لا بالرفض ولا بالإيجاب وكأنهم في الوزارة عرفو أننا بشر نعيش خارج حسابات الدنيا لا حق لنا فيها......! أتت عنايات عثمان محمد تطرق باب الرحمة من خلال االأهرام المسائيب قالت: هل يمكن لصوت امرأة مثلي عبرتها سنوات العمر حتي كهلت أن تطالب مسئولا في الدولة أن يتنازل عن كبريائه ويأتيها حيث تعيش ويلمس قسوة الزمن عليها وأولادها, أم ذلك حلم متآكل مثله مثل كل الأحلام المتآكلة تتبخر بلا عودة ؟ أفوض أمري إلي الله إنه بصير بالعباد, ليس في يدي غير أن أعود إلي جدار بيتي المتشرخ قدما و يأسا أستند إليه حتي تأتي ساعتي وأخرج من هذه الدنيا التي لم تكن يوما تريدني فيها. التحدي ترفقي بنفسك يا أمي فليس هناك من يحيا في هذه الدنيا بلا شقاء أو كد, و كثير منا تحاوطه أسوار اليأس و قلة الحيلة و لولا إيمان يسكن القلب بحكمة الله في خلقه و الأقدار المكتوبة لما تولدت فينا إرادة التحدي و المواجهة لكل الصعاب التي تعترض طريقنا في الدنيا, و تذكري سيدتي ان الله عز و جل قال في كتابه الكريم من سورة البلد لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد ووالد وما ولد لقد خلقنا الإنسان في كبد أيحسب أن لن يقدر عليه أحد يقول أهلكت مالا لبدا أيحسب أن لم يره أحد ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين و هذا يعني أن حكمة خلق الإنسان في المكابدة و التعايش في الدنيا بكل صعابها, و انت امرأة مكافحة وأم مثالية بحق استطعت قيادة دفة مركب الحياة بأولادك بعد موت الأب قدر طاقتك فلا تقنطي من رحمة الله عز و جل و ثقي أن صدر و قلب المهندس مصطفي مدبولي سيتسعان للمأساة التي تعيشينها و يبحث حالتك و أحسبه إن شاء الله يكشف عنك غمة اليأس و تنفرج في حياتك طاقة الأمل من جديد.